للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: (فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) فيه التفات؛ إذ الظاهر أن يقول: فَأذن لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وقوله: (فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اعْلَمْ مَا تَقُولُ) أمرٌ من علِم يَعْلَم، فهمْزتُه وصل، والمعنى: تثبّت فيما تقوله عنه - صلى الله عليه وسلم -، فإنّه مما ينبغي التثبّت له، فإن قول الشعر أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس أمرًا هيّنًا، هذا هو الذي يظهر لي من معنى هذه العبارة.

ونظير هذا ما تقدّم في "كتاب الصلاة" من قول عمر بن عبد العزيز لعروة بن الزبير لَمّا قال له عروة: أمَا إن جبريل قد نزل، فصَلّى إمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له عمر: "اعْلَمْ ما تقول يا عروة. . . إلخ"، فمعناه: تأكّد وتثبّت مما تُحدّث به، فإن هذا الأمر مهمّ.

وذكر بعض الشرّاح (١) أن قوله: "أَعْلَمُ" بصيغة المضارع للمتكلّم، ومعناه: أعلم أنا ما تقول، وتُنشد يا سلمة إلى آخر ما قاله، وهذا عندي بعيد مما عُرف من سيرة عمر - رضي الله عنه - أنه كان كثيرًا ما يُنكر إنشاد الشعر أمامه - صلى الله عليه وسلم -، وكذا في المساجد، فالصواب هنا حَمْله على الإنكار، لا على الإقرار.

وقد ثبت إنكاره؛ لإنشاد الشعر في مواطن أخرى، فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة: أن عمر مَرّ بحسّان، وهو يُنشد الشعر في المسجد، فَلَحَظ إليه، فقال: قد كنت أُنشد، وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة، فقال: أنشدك الله، أسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أَجِبْ عني، اللهم أيّده بروح القدس"، قال: اللهمّ نعم.

وأخرج النسائيّ وغيره، وصحّحه ابن خزيمة، عن أنس - رضي الله عنه - قال: دخل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مكة في عمرة القضاء، وابنُ رواحة بين يديه يقول:

خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ … الَيَوْمَ نَضْرِبْكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ

ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيْلِهِ … وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ

فقال عمر: يا ابن رواحة، أفي حرم الله، وبين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقول هذا الشعر؟ فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "خَلِّ عنه يا عمر، فوالذي نفسي بيده، لكلامه


(١) هو صاحب "تكملة فتح الملهم"، وتبعه الشيخ الهرري.