للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السؤال بين اثنين فصاعدًا، ويجوز أن يكون بين العبد والشيطان، أو النفس، أو إنسان آخر: أي يجري بينهما السؤال في كلّ نوع، (حَتَّى) يبلغ السؤال إلى أن (يُقَالَ) بالبناء للمفعول، وقد بُيِّن الفاعل في الروايات الآتية بأنه الشيطان، أو أنهم القائلون، ففي الرواية الثانية، والثالثة، والرابعة: "يأتي الشيطان أحدكم، فيقول"، وفي الرواية الخامسة، والسادسة: "حتى يقولوا": أي في أنفسهم، أو لغيرهم، (هَذَا خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ) قال التوربشتيّ: لفظ "هذا" يحتمل وجهين:

[أحدهما]: أن يكون مفعولًا، والمعنى: حتى يقال هذا القول.

[والثاني]: أن يكون مبتدأ حُذف خبره: أي هذا القول، أو قولك هذا قد عُلم، أو عُرِف. قال: رواه مسلم في كتابه على هذا السياق عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، ورواه أيضًا عن أنس - رضي الله عنه -، وفي روايته: "يقال: هذا الله خَلَقَ الخلقَ"، كذلك رواه البخاريّ في كتابه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، والحديث على السياق محتمِلٌ لوجه آخر سوى الوجه الذي ذكرناه أوّلًا، وهو أن يكون "هذا الله" مبتدأ وخبرًا، أو "هذا" مبتدأ، و"الله" عطف بيان، و"خَلَقَ الله الخلقَ" خبره، وأكثر رواة هذا الحديث يروونه على هذا السياق، وكلا السياقين صحيح.

قال الطيبيّ بعد ذكره كلام التوربشتيّ: قوله: "هذا" مبتدأ حُذف خبره، أولى الوجوه، لكن تقديره على ما ذكره، وذلك أن يقال: هذا مقرَّرٌ، أو مُسلَّمٌ، وهو أن الله تعالى "خَلَقَ الخلقَ"، فما تقول في "الله"؟، فإن الله تعالى شيء، لقوله عز وجل: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} الآية [الأنعام: ١٩]، وكلُّ شيء مخلوقٌ؛ لقوله عز وجل: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: ١٠١] فمن خلقه؟ فعلى هذا، الفاء رتّبت ما بعدها على ما قبلها، وقوله: "خَلَقَ اللهُ الخلقَ" بيانٌ لقوله: هذا مسلّمٌ، وبهذا المعنى لا يستقيم أن يقال: إن هذا مقول، وما بعده بيان له؛ لأن الفاء تدفعه.

ووجه آخر، وهو أن يقدّر: هذا القول مقرَّرٌ، فوُضِعَ "خَلَقَ اللهُ الخلقَ" موضع القول، كقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} الآية [البقرة: ١١]، أي إذا قيل لهم هذا القول؛ لأن {لَا تُفْسِدُوا} فعل لا يقع مفعولًا إلا