للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على التأويل، وهذا القول كُفْرٌ، فمن تكلّم به، فليتداركه بكلمة الإيمان، وليقل: آمنت بالله خالق كلّ شيء، وليس بمخلوق، ولا يُتصوَّر كُنْهَه وَهْمٌ ولا خَيَال، ولا يحضره فهم ولا مثال. انتهى كلام الطيبيّ بتصرّف (١).

(فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟) الفاء فصيحيّة؛ سميّت بذلك لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدّر كما يأتي، و"من" استفهاميّة مبتدأ، والجملة بعده خبره، والجملة جواب الشرط المقدّر، أي إذا ثبت أن الله تعالى خلق كلّ الخلق، فمن خلق … إلخ؟.

(فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا) إشارة إلى القول المذكور، و"من ذلك" حالٌ من "شيئًا"، أي من صادف شيئًا من ذلك القول والسؤال، أو وجد في خاطره شيئًا من جنس ذلك المقال، قاله القاريّ (٢). (فَلْيَقُلْ) أي فورًا من حينه (آمَنْتُ بِاللهِ) زاد في الرواية التالية: "ورُسُله"، ولأبي داود، والنسائيّ من الزيادة: "فقولوا: الله أحد، الله الصمد، السورةَ، ثم لْيَتْفُل عن يساره، ثم ليستعذ"، ولأحمد من حديث عائشة: "فإذا وَجَدَ أحدكم ذلك، فليقل: آمنت بالله ورسوله، فإن ذلك يَذْهَبُ عنه" (٣).

قال القرطبيّ: قوله: "قل: آمنت بالله" أمرٌ بتذكّر الإيمان الشرعيّ، واشتغال القلب به؛ لتمحى تلك الشبهات، وتضمحلّ تلك التّرّهات، وهذه كلها أدوية للقلوب السليمة الصحيحة المستقيمة التي تَعْرِضُ التّرّهاتُ لها، ولا تمكُثُ فيها، فإذا استُعملت هذه الأدوية على نحو ما أمر به بقيت القلوب على صحّتها، وحُفِظت سلامتها.

فأما القلوب التي تمكّنت أمراض الشُّبَه فيها، ولم تقدِر على دفع ما حلّ بها بتلك الأدوية المذكورة، فلا بدّ من مشافهتها بالدليل العقليّ، والبرهان القطعيّ، كما فَعَل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مع الذي خالطته شبهة الإبل الْجُرْبِ حين قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا عَدْوَى"، فقال أعرابيّ: فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٥١٩ - ٥٢٠.
(٢) "المرقاة" ١/ ٢٤٣.
(٣) راجع: "الفتح" ١٣/ ٢٨٧ "كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة" رقم (٧٢٩٦).