للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الظباء، فإذا دخل فيها البعير الأجرب أجربها؟، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "فمن أعدى الأول؟ "، متّفقٌ عليه، فاستأصل الشبهة من أصلها.

وتحرير ذلك على طريق البرهان العقليّ أن يقال: إن كان الداخل أجربها، فمن أجربه، فإن كان أجربه بعيرٌ آخر كان الكلام فيه كالكلام في الأول، فإما أن يتسلسل، أو يدور، وكلاهما محال، فلا بدّ أن نقف عند بعير أجربه الله من غير عَدْوَى، وإذا كان كذلك، فالله تعالى هو الذي أجربها كلّها: أي خَلَقَ الْجَرَبَ فيها. انتهى (١).

وفي الرواية التالية: "فإذا بلغ ذلك، فليستعذ بالله، ولْيَنْتَهِ": أي ليَكُفّ عن الاسترسال معه في ذلك، بل يلجأ إلى الله في دفعه، وليَعْلَمْ أنه يريد إفساد دينه وعقله بهذه الوسوسة، فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها.

قال الخطابيّ: وجهُ هذا الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك، فاستعاذ الشخص بالله منه، وكَفّ عن مطاولته في ذلك اندفع، قال: وهذا بخلاف ما لو تَعَرَّض أحد من البشر بذلك، فإنه يمكن قطعه بالحجة والبرهان، قال: والفرق بينهما أن الآدمي يَقَع منه الكلام بالسؤال والجواب، والحالُ معه محصور، فإذا راعى الطريقة، وأصاب الحجة انقطع، وأما الشيطان فليس لوسوسته انتهاء، بل كلّما أُلزم حجة زاغ إلى غيرها، إلى أن يفضي بالمرء إلى الحيرة، نعوذ بالله من ذلك.

قال: على أن قوله: "فمَن خَلَق الله" كلام متهافتٌ ينقض آخره أوله؛ لأن الخالق يستحيل أن يكون مخلوقًا، ثم لو كان السؤال مُتّجهًا لاستلزم التسلسل، وهو محال، وقد أثبت العقل أن المحدثات مفتقرة إلى مُحْدِثٍ، فلو كان هو مفتقرًا إلى مُحْدِث لكان من المحدثات. انتهى.

قال الحافظ: والذي نحا إليه الخطابيّ من التفرقة بين وسوسة الشيطان ومخاطبة البشر فيه نظر؛ لأن في رواية المصنّف الآتية: "لا يزال الناس يتساءلون، حتى يقال: هذا خَلَقَ اللهُ الخلقَ، فمن خلق الله؟ فمن وَجَدَ من ذلك


(١) "المفهم" ١/ ٣٤٥ - ٣٤٦.