للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شيئًا، فليقل: آمنت بالله"، فسَوَّى في الكفّ عن الخوض في ذلك بين كل سائل عن ذلك، من بشر وغيره.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: تعقّب الحافظ لكلام الخطابي في تفرقته المذكورة حسنٌ جدًّا.

وحاصله أن النصّ لم يفرّق بين نوع ونوع، بل سوّى بينهم، فلا ينبغي التفريق، فتنبّه لذلك، والله تعالى أعلم.

وقال ابن بطّال: إن هذا السؤال: "من خَلَقَ الله؟ " لا ينشأ إلا عن جهل مُفرِط، فإن الموسوس إن قال: ما المانع أن يخلُق الله تعالى نفسه؟، قيل له: هذا ينقض بعضه بعضًا؛ لأنك أثبتّ خالقًا، وأوجبت وجوده، ثم قلت: يخلُقُ نفسه، فأوجبت عدمه، والجمع بين كونه موجودًا معدومًا فاسد؛ لتناقضه؛ لأن الفاعل يتقدّم وجوده على وجود فعله، فيستحيل كون نفسه فعلًا له. انتهى.

وقال ابن التين: لو جاز لمخترع الشيء أن يكون له مخترع لتسلسل، فلا بدّ من الانتهاء إلى موجد قديم، والقديم من لا يتقدّمه شيء، ولا يصحّ عدمه، وهو فاعل لا مفعول، وهو الله تبارك وتعالى. انتهى.

وقال النوويّ قوله: "فليستعذ بالله، ولينته": معناه: الإعراض عن هذا الخاطر الباطل، والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه.

قال المازريّ: ظاهر الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها، والرّدّ لها من غير استدلال، ولا نظر في إبطالها، قال: والذي يقال في هذا المعنى: إن الخواطر على قسمين: فأما التي ليست بمستقرّة، ولا اجتلبتها شبهة طرأت، فهي التي تُدفَع بالإعراض عنها، وعلى هذا يُحْمَل الحديث، وعلى مثلها يَنطلق اسم الوسوسة، فكأنه لَمّا كان أمرًا طارئًا بغير أصل، دُفِع بغير نظر في دليل؛ إذ لا أصل له يُنظَر فيه، وأما الخواطر المستقِرَّة التي أوجبتها الشبهة، فإنها لا تُدفع إلا بالاستدلال، والنظر في إبطالها. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هكذا فرّق المازريّ بين الخواطر المستقرّة


(١) "شرح النوويّ" ٢/ ١٥٥.