للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وغير المستقرّة، وحمل الحديث على غير المستقرّة، وأما المستقرّة، فلا ينفعها ما ذكره النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من الداء، وهكذا نقل النوويّ وصاحب "الفتح" عنه، وأقرّوه عليه، وهذا من الغريب، فإن الرسول الذي أرسله الله تعالى لهداية الخلق أجمعين، وإزالة الشُّبَه بأنواعها يصف دواء لهذا الداء، هو من أدوى الأدواء حيث إنه يوسوس في الخالق سبحانه وتعالى، فيقول: "فإذا بلغ ذلك، فليستعذ بالله، ولينته"، وما فصّل وما فرّق بين ما استَحْكَم من هذا الداء، وبين ما لم يستحكم، بل أطلق إرشاده، وبيّن أن دواءه هو هذا، وهو في مقام البيان، يحتاج إلى أن يبيّن للأمة الأميّة أتمّ البيان، فلو كان الأمر يحتاج إلى ذلك، لما سكت عنه، فلا يسع العاقل إلا أن يستعمل النصّ العامّ على عمومه، ولا يحمله على الخصوص بدون حجة.

ثم إن هذا الذي ذكره المازريّ من أن الخواطر المستقرّة لا تُدفع إلا بالاستدلال والنظر هو الذي فتح باب الشُّبه والأفكار الخاطئة على المتكلّمين، وأذنابهم، فتاهوا في فيافي الحيرة، ووقعوا في جُحر الشكّ والارتياب لدى بحثهم عن حقيقة ربّ الأرباب، فصار النتيجة أن خرجوا من الدنيا مرتابين معرضين عن ربّهم، متحيّرين هائمين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وبالجملة، فهذا الباب مرجعه الصحيح، ودواؤه المريح هو الذي جاء في كتاب الله تعالى، وسنّة نبيّه - صلى الله عليه وسلم -، كما أرشد إليه ربنا سبحانه وتعالى، حيث يقول: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: ١٠١]، {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨)} [الأعراف: ١٥٨]، {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٥٤)} [النور: ٥٤].

وهذا هو منهج السلف الأسلم الأعلم الأحكم، وقد تقدّم ذكر ما نُقل عن الأئمة المعتبرين الذي سلكوا مسلك المتكلّمين، ثم هداهم الله إلى طريقة السلف، وتابوا عن طريق المتكلّمين، فحذّروا الناس من اتباع طريقة المتكلّمين، كالجوينيّ، والغزاليّ، والرازيّ، والشهرستانيّ مستوفًى في المسائل