للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالتقدير الحديث سبعة كيلو مترات تفريبًا، حال كونهم (مُتَسَلِّحِينَ)؛ أي: لابسين السلاح، وهو آلة الحرب. (يُرِيدُونَ غِرَّةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) - بكسر الغين المعجمة -؛ أي: خِدْعته في حال غفلته، يقال: غَرّه غَرًّا، وغُرُورًا، وغِرّةً، بالكسر: إذا خدعه، فهو مغرور، وغَرِير، كأمير (١). (وَ) غِرّة (أَصْحَابِهِ) - رضي الله عنهم -، والمعنى: أنهم أرادوا أن يصادفوا النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه في غفلة من التأهّب لهم؛ ليتمكّنوا من الغدر والفتك بهم.

(فَأَخَذَهُمْ) النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حيث أرسل إليهم من يأسرهم، فأُخذوا دون أن يقاتلوا، وفي رواية عبد بن حميد: "أن ثمانين رجلًا هبطوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من جبل التنعيم، عند صلاة الصبح، وهم يريدون أن يقتلوه، فأُخذوا أَخْذًا، فأعتقهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".

وقوله: (سَلَمًا) قال النوويّ رحمهُ اللهُ: ضبطوه بوجهين: أحدهما: بفتح السين، واللام، والثاني: بإسكان اللام، مع كسر السين، وفتحها، قال الحميديّ: ومعناه الصلح، قال القاضي عياض في "المشارق": هكذا ضبطه الأكثرون، قال فيه، وفي "الشرح": الرواية الأُولى أظهر؛ ومعناها: أسرهم، والسَّلَمُ: الأَسْرُ، وجزم الخطابيّ بفتح اللام، والسين، قال: والمراد به الاستسلام، والإذعان، كقوله تعالى: {وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} [النساء: ٩٠]؛ أي: الانقياد، وهو مصدرٌ يَقَعُ على الواحد، والاثنين، والجمع، قال ابن الأثير: هذا هو الأشبه بالقصّة، فإنهم لم يُؤخذوا صُلْحًا، وإنما أُخذوا قَهْرًا، وأسلموا أنفسهم عَجْزًا، قال: وللقول الآخر وجه، وهو أنه لَمّا لم يَجر معهم قتال، بل عَجَزوا عن دفعهم، والنجاة منهم، فَرَضُوا بالأسر، فكأنهم قد صُولحوا على ذلك. انتهى (٢).

(فَاسْتَحْيَاهُمْ)؛ أي: أبقاهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أحياءً، وتركهم، ولم يُعاقبهم بالقتل، ولا بغيره، يقال: استحييته بياءين: إذا تركته حيًّا، فلم تقتله، ليس فيه إلا هذه اللغة، وحَيِيَ منه حَيَاءً بالفتح والمدّ، فهو حَيِيّ، على فَعِيل، واستحيا منه، وهو الانقباض، والانزواء، قال الأخفش: يتعدّى بنفسه، وبالحرف،


(١) راجع: "القاموس المحيط" ص ٩٤٢.
(٢) "شرح النوويّ" ١٢/ ١٨٧.