للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيقال: استحييتُ منه، واستحييته، وفيه لغتان، إحداهما لغة الحجاز، وبها جاء القرآن بياءين، والثانية لتميم، بياء واحدة، قاله الفيّوميّ (١). (فَأنْزَلَ اللهُ - عز وجل -: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (٢٤)} الآية [الفتح: ٢٤].

قال الإمام ابن جرير الطبريّ - رحمه الله - في "تفسيره": يقول تعالى ذِكْرُهُ لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، والذين بايعوا بيعة الرضوان: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ}، يعني: أن الله كَفّ أيدي المشركين الذين كانوا خَرَجوا على عسكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية، يلتمسون غِرَّتهم؛ ليصيبوا منهم، فبَعَث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأُتِي بهم أَسْرى، فَخَلَّى عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومَنَّ عليهم، ولم يقتلهم، فقال الله تعالى للمؤمنين: وهو الذي كفّ أيدي هؤلاء المشركين عنكم، وأيديكم عنهم ببطن مكة، من بعد أن أظفركم عليهم. انتهى (٢).

وقال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: قوله - سبحانه الله وتعالى - {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} الآية امتنان من الله تعالى على عباده المؤمنين، حين كَفّ أيدي المشركين عنهم، فلم يَصِل إليهم منهم سوء، وكَفّ أيدي المؤمنين عن المشركين، فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام، بل صان كلًّا من الفريقين، وأوجد بينهم صلحًا، فيه خير للمؤمنين، وعاقبةٌ لهم في الدنيا والآخرة، وقد تقدم في حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - حين جاؤوا بأولئك السبعين الأُسارى، فأوثقوهم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنظر إليهم، فقال: "أرسلوهم، يكن لهم بَدْءُ الفجور، وثنَاؤه"، قال: وفي ذلك أنزل الله - عز وجل -: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} الآية (٣)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - هذا من أفراد المصنّف - رحمه الله -.


(١) "المصباح المنير" ١/ ١٦٠.
(٢) "تفسير الطبريّ" ٢٦/ ٩٣.
(٣) "تفسير ابن كثير" ٤/ ١٩٣.