وخوف كَرّة الأعداء، صرفهم عن ذلك بإنزال النعاس عليهم؛ لئلا يوهنهم الغمّ والخوف، ويُضعف عزائمهم، وأما المنافقون والذين في قلوبهم مرض، فلم يُنزل عليهم النعاس، بل شغلتهم أنفسهم، وأوحى إليهم الشيطان ظنّ السوء بالله تعالى، كما بيّن الله ذلك في كتابه، فقال: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١٥٤)} [آل عمران: ١٥٤]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
مشائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٤٥/ ٤٦٧٥](١٨١١)، و (البخاريّ) في "الجهاد"(٢٨٨٠) و"مناقب الأنصار"(٣٨١١) و"المغازي"(٤٠٦٤)، و (أبو عوانة) في "مسنده"(٤/ ٣٣٢)، و (أبو يعلى) في "مسنده"(٧/ ٢٤)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
١ - (منها): بيان جواز غزو النساء مع الرجال؛ لمساعدتهم فيما ينوبهم من آثار الحرب، كمداواة الجرحى، وسقيهم الماء، ونقلهم إلى مكان الأمن.
قال النوويّ - رحمه الله -: وفي هذا الحديث اختلاط النساء في الغزو برجالهنّ في حال القتال؛ لسقي الماء ونحوه. انتهى (١).
٢ - (ومنها): بيان ما نزل بالمسلمين يوم أُحد من الهزيمة، وتَرْكهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وذلك بسبب تركهم أمره - صلى الله عليه وسلم - بحفظ الرماة مكانهم، كما بيّنه الله