للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعض شيوخنا يقرأ هذا الحرف بضم باء "القربُ"، ويجعله مبتدأً، كأنه قال: والقِرَبُ: على متونهما، والذي عندي في الرواية اختلال، ولهذا جاء البخاريّ بعدها بالرواية البيّنة الصحيحة، وقد تُخَرَّج رواية الشيوخ بالنصب على عدم الخافض، كأنه قال: تَنْقُزان القربَ؛ أي: تحرّكان القِرَب بشدة عَدْوهما بها، فكانت القِرَب ترتفع، وتنخفض، مثل الوثب على ظهورهما. انتهى (١).

(عَلَى مُتُونِهِمَا) بضم الميم، وهو الظَّهر؛ أي: على ظهورهما، (ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ) بضمّ أوله، من الإفراغ، أو التفريغ، يقال: أفرغت الإناء إفراغًا، وفَرّغته، بالتشديد تفريغًا: إذا قَلَبت ما فيه، والمعنى: أنهما يصبّان الماء الذي في القِرَب (فِي أَفْوَاهِهِمْ)؛ أي: أفواه الْجَرْحَى من المسلمين، (ثُمَّ تَرْجِعَانِ) إلى محلّ الماء (فَتَمْلآنِهَا)؛ أي: القِرَب، (ثُمَّ تَجِيئَانِ تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ)؛ يعني: الجرحى. (وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ) بتثنية "يدي"، وفي رواية البخاريّ: "من يد أبي طلحة" بالإفراد، وفي بعض النسخ هنا: "بين يدي أبي طلحة"، (إِمَّا مَرَّتَيْن، وَإِمَّا ثَلَاثًا). وقوله: (مِنَ النُّعَاسِ) هو ما يكون في الرأس، والسِّنَةُ: ما يكون في العين، قاله القرطبيّ (٢)، وهذا بيان لسبب وقوع السيف من يد أبي طلحة - رضي الله عنه -؛ يعني: أن سبب وقوعه هو النعاس الذي غشيه في تلك الحالة، وفي رواية للبخاريّ من وجه آخر، عن أنس، عن أبي طلحة: "كنت فيمن يغشاه النعاس يوم أُحد، حتى سقط سيفي من يدي مرارًا"، ولأحمد، والحاكم، من طريق ثابت، عن أنس: "رَفَعْتُ رأسي يوم أُحد، فجعلت أنظر، وما منهم من أحد إلا وهو يميل تحت حَجَفته، من النعاس"، وهو قوله تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} الآية [الأنفال: ١١]، قال ابن إسحاق: أنزل الله تعالى النعاس أَمَنَةً لأهل اليقين، فهم نيامٌ، لا يخافون، والذين أهمّتهم أنفسهم أهل النفاق، في غاية الخوف، والذعر. انتهى (٣).

والحاصل أن هذا النعاس هو الذي منّ الله تعالى به يوم أُحد على أهل الصدق واليقين من المؤمنين، فإنه تعالى لَمّا عَلِم ما في قلوبهم من الغمّ،


(١) "عمدة القاري" ١٦/ ٢٧٤.
(٢) "المفهم" ٣/ ٦٨٦.
(٣) "الفتح" ٩/ ١٣٦ و ١٣٩، كتاب "المغازي" رقم (٤٠٦٤ و ٤٠٦٨).