قال في "الفتح": قوله: "العُشير، أو العُسيرة" كذا بالتصغير، والأول بالمعجمة بلا هاء، والثانية بالمهملة، وبالهاء، ووقع في الترمذيّ:"العُشير، أو العُسير" بلا هاء فيهما. انتهى.
وقوله:"فذكرت لقتادة" القائل هو شعبة، وقول قتادة:"العشيرة" هو بالمعجمة، وبإثبات الهاء، ومنهم من حذفها، وقول قتادة هو الذي اتَّفَقَ عليه أهل السير، وهو الصواب، وأما غزوة الْعُسيرة بالمهملة، فهي غزوة تبوك، قال الله تعالى:{الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ}[التوبة: ١١٧]، وسُمّيت بذلك؛ لما كان فيها من المشقّة، وهي بغير تصغير، وأما هذه فنُسبت إلى المكان الذي وصلوا إليه، واسمه العشير، أو العشيرة، يذكّر، ويؤنّث، وهو موضع.
وذكر ابن سعد أن المطلوب في هذه الغزاة هي عِير قريش التي صَدَرت من مكة إلى الشام بالتجارة، ففاتهم، وكانوا يترقبون رجوعها، فخرج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يتلقاها؛ ليغنمها، فبسبب ذلك كانت وقعة بدر.
قال ابن إسحاق: فإن السبب في غزوة بدر ما حدّثني يزيد بن رُومان، عن عروة، أن أبا سفيان كان بالشام في ثلاثين راكبًا، منهم مَخرمة بن نَوفل، وعمرو بن العاص، فأقبلوا في قافلة عظيمة، فيها أموال قريش، فنَدَب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إليهم، وكان أبو سفيان يتجسس الأخبار، فبلغه أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - استنفر أصحابه بقصدهم، فأرسل ضمضم بن عمرو الغِفَاريّ إلى قريش بمكة، يُحرِّضهم على المجيء؛ لحفظ أموالهم، ويُحَذِّرهم المسلمين، فاستنفرهم ضمضم، فخرجوا في ألف راكب، ومعهم مائة فرس، واشتدّ حذر أبي سفيان، فأُخذ طريق الساحل، وجدّ في السير، حتى فات المسلمين، فلما أَمِنَ أرسل إلى من يلقى قريشًا يأمرهم بالرجوع، فامتنع أبو جهل من ذلك، فكان ما كان من وقعة بدر. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.