ثم أُمروا بالقتال مطلقًا بقوله تعالى:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا} الآية [التوبة: ٤١]، والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل السِّيَر في عدد غزوات النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: قال النوويّ - رحمه الله -: قد اختَلَف أهل المغازي في عدد غزواته - صلى الله عليه وسلم -، وسراياه، فذكر ابن سعد وغيره عددهنّ مفصّلات على ترتيبهنّ، فبلغت سبعًا وعشرين غَزاةً، وستًّا وخمسين سريةً، قالوا: قاتَل في تسع من غزواته، وهي: بدرٌ، وأُحُدٌ، والْمُرَيسِيع، والخندق، وقريظة، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف، هكذا عدّوا الفتح فيها، وهذا على قول من يقول: فُتِحَت مكة عَنْوَةً، وقد قدَّمنا بيان الخلاف فيها، ولعل بُريدة - رضي الله عنه - أراد بقوله:"قاتَل في ثمان" إسقاط غَزَاة الفتح، ويكون مذهبه أنها فُتحت صلحًا، كما قاله الشافعيّ، وموافقوه. انتهى (١).
وقال في "الفتح" عند قول البراء - رضي الله عنه -: "تسع عشرة": كذا قال، ومراده الغزوات التي خرج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيها بنفسه، سواء قاتَل، أو لم يقاتِل، لكن رَوَى أبو يعلى من طريق أبي الزبير، عن جابر - رضي الله عنه - أن عدد الغزوات إحدى وعشرون، وإسناده صحيح، وأصله في مسلم، فعلى هذا، ففات زيد بن أرقم ذكر ثنتين منها، ولعلّهما الأبواء، وبواط، وكأن ذلك خَفِي عليه لِصِغَره، ويؤيد ذلك ما وقع عند مسلم بلفظ:"قلت: ما أول غزوة غزاها؟ قال: ذات العشير، أو العشيرة". انتهى، والعشيرة كما تقدم هي الثالثة.
وأما قول ابن التين: يُحْمَل قول زيد بن أرقم على أن العشيرة أول ما غزا هو؛ أي: زيد بن أرقم، والتقدير: فقلت: ما أول غزوة غزاها؛ أي: وأنت معه، قال:"العشير"، فهو مُحْتَمِلٌ أيضًا، ويكون قد خَفِي عليه اثنتان مما بعد ذلك، أو عَدّ الغزوتين واحدةً، فقد قال موسى بن عقبة: قاتَل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنفسه في ثمان: بدر، ثم أُحُد، ثم الأحزاب، ثم المصطلِق، ثم خيبر، ثم مكة، ثم حُنين، ثم الطائف. انتهى، وأهمل غزوة قُريظة؛ لأنه ضَمّها إلى الأحزاب؛ لكونها كانت في إثرها، وأفردها غيره؛ لوقوعها منفردة بعد هزيمة