وَهُمْ على غير دين يحرصون على إقامة الحجّ، ويرونه من مفاخرهم التي امتازوا بها على غيرهم من العرب، فكيف يُظَنّ بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه يتركه؟ وقد ثبت من حديث جُبير بن مُطْعِم أنه رآه في الجاهلية واقفًا بعرفة، وأن ذلك من توفيق الله له، وثبت دعاؤه قبائل العرب إلى الإسلام بمنى ثلاث سنين متوالية. انتهى، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، والحديث متّفقٌ عليه، وقد مرّ شرحه، وبيان مسائله في الحديث الماضي، ولله الحمد والمنّة.
[تنبيه آخر]: عَقَد الحافظ العراقيّ: - رحمه الله - فصلًا لبيان عدد حَجِّه - صلى الله عليه وسلم -، وعُمَره، فقال:
قَدْ حَجَّ بَعدَ هِجرَةٍ لِطَيبَةِ … سَنَةَ عَشْر قَطْ بِغيرِ مِرَيةِ
واعتَمَرَ النبيُّ بَعدَ الهجرَةِ … أربعَةً والكُلُّ في ذي القَعْدَةِ
إلا التي في حَجَّةِ الوَدَاعِ … قَرَنَهَا لَمْ يَخْلُ مِنْ نِزَاعِ
أوَّلُهَا سَنَةَ يسِتّ صُدَا … فيهَا عن البَيتِ فَحَلَّ قَصْدَا
كَانَتْ بِهَا بَيْعَتُهُ المَرضِيَّهْ … ثم تَليهَا عُمرَةُ القَضِيَّهْ
سَنةَ سَبع بَعدَهَا الجِعْرانَهْ … عَامَ ثمانٍ واعدُدَنْ قرَانَهْ
ولم يَعُدَّ مَالِكٌ ذي الرَّابِعَهْ … وقالَ حَجَّ مُفرَدًا وتابَعَهْ
بَعضُهُمُ وَحَجَّ قَبلَ الهجرَهْ … ثِنتَينِ أو أكثرَ أو فَمَرَّهْ
ولمْ يَصِحَّ عَدَدُ الحَجَّاتِ … مِن قَبلِ هِجرَةٍ ولا العُمْرَاتِ
والله تعالى أعلم.
وبالسند المتصل إلى المؤلّف - رحمه الله - أوّل الكتاب قال:
[٤٦٨٦] (١٨١٣) - (حَدَّثنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثنَا زَكَرِيَّاءُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْر، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله، يَقُولُ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، قَالَ جَابِرٌ: لَمْ أَشْهَدْ بَدْرًا، وَلَا أُحُدًا، مَنَعَنِي أَبِي، فَلَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللهِ يَوْمَ أُحُدٍ، لَمْ أتخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ قَطُّ).
رجال هذا الإسناد: خمسة:
١ - (زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ) أبو خيثمة، تقدّم قريبًا.