أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ) - بكسر، ففتح -: جمع خِرْقة - بكسر، فسكون - وهي القطعة من الثوب، ونحوه. (فَسُمِّيَتْ) تلك الغزوة (غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ؛ لِمَا كُنَّا نُعَصِّبُ) يَحْتَمِل أن يكون من التعصيب، أو من العصب، من باب ضرب؛ أي: نشُدّ (عَلَى أَرْجُلِنَا مِنَ الْخِرَقِ) هذا صريح في أن سبب تسمية هذه الغزوة بهذا الاسم ما وقع لهم من لفّ الخِرَق على أقدامهم، وهو أصحّ ما قيل في ذلك، كما أسلفته أول الباب، وقال النوويّ - رحمه الله -: هذا هو الصحيح في سبب تسميتها، وقيل: سُمّيت بذلك بجبل هناك، فيه بياض، وسواد، وحمرة، وقيل: سُمّيت باسم شجرة هناك، وقيل: لأنه كان في ألويتهم رِقاع، ويَحْتَمِل أنها سمّيت بالمجموع. انتهى (١).
(قَالَ أَبُو بُرْدَةَ) موصول بالسند المذكور، كما قال في "الفتح". (فَحَدَّثَ أَبُو مُوسَى) الأشعريّ - رضي الله عنه - (بِهَذَا الْحَدِيث، ثُمَّ كَرِهَ ذَلِكَ) بكسر الراء، من باب فَهِمَ؛ أي: كرِه أبو موسى - رضي الله عنه - التحديث بهذا؛ لِمَا يتضمّنه من تزكية النفس، وقد قال الله تعالى:{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}[النجم: ٣٢]. (قَالَ) أبو بردة (كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا) هكذا في جميع النسخ التي بين أيدينا "شيئًا" بالنصب، فيكون منصوبًا على أنه خبر "يكون"، واسمها محذوف، تقديره: وكره أن يكون ما دل عليه هذا الحديث شيئًا أفشاه، وقد جاء بالرفع في كلّ ما وقفنا عليه من نُسخ "صحيح البخاريّ"، ووجهه ظاهر.
(مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ) وإنما كره أبو موسى - رضي الله عنه - الإفشاء؛ لأن كَتْم عمل البرّ، وما أُصيبَ به الإنسان في ذات الله أفضل من إظهاره، وأدنى أن لا يداخله العُجب الذي يُحبط العمل، إلا أن توجد هناك مصلحة راجحة، كمن يكون ممن يُقْتَدَى به، فلو أظهره لاقتدى به غيره، فعند ذلك ينبغي أن يُظهره بهذا القصد، والله - سبحانه وتعالى - من وراء القصد، {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[آل عمران: ١١٩]، {وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الطلاق: ١٢].
(قَالَ أَبُو أُسَامَةَ) حماد بن أسامة (وَزَادَنِي غَيْرُ بُرَيْدٍ) الذي في هذا السند، ولم يتبيّن لي من هو غير بُريد، فليُنظر، والله تعالى أعلم.