خَيْرٌ مِنِّي) وقوله:(يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ)؛ أي: يقصد عمر - رضي الله عنه - بقوله:"من هو خير منّي": أبا بكر الصديق - رضي الله عنه -، والعناية من بعض الرواة، ولم يبيّن لي من هو؟.
قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "فقد استخلف من هو خير مني"؛ يعني: أن أبا بكر - رضي الله عنه - استخلف عمر - رضي الله عنه -، ونصّ عليه، وعيَّنه، وهذا لا خلاف في أن الأمر كذلك وقع، ولا في أنَّ هذا طريق مشروع في الاستخلاف، ثم إن عمر - رضي الله عنه - سلك طريقةً بين طريقتين، جمعت له الاقتداء بهما، فاقتدى برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أنه لَمْ ينصّ على واحدٍ بعينه، فصَدَقَ عليه أنه غير مستخلِف، واقتدى بأبي بكر من حيث إنه لَمْ يترك أمر المسلمين مهملًا، فإنه جعل الأمر شُورى في ستة، ممن يصلح للخلافة، وفوّض التعيين لاختيارهم. انتهى (١).
وقال في "الفتح" عند قوله: "لا أتحملها حيًّا وميتًا": وقد بَيّن عمر - رضي الله عنه - عُذره في ذلك، لكنه لمّا أَثَّر فيه قول عبد الله بن عمر، حيث مَثّل له أمر الناس بالغنم مع الراعي، خَصّ الأمر بالستة، وأمرهم أن يختاروا منهم واحدًا، وإنما خص الستة؛ لأنه اجتمع في كلّ واحد منهم أمران: كونه معدودًا في أهل بدر، ومات النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو عنه راضٍ، وقد صَرَّح بالثاني حيث قال:"ما أجد أحدًا أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين تُوُفّي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو عنهم راض … "، فذكرهم، وأما الأول فأخرجه ابن سعد، من طريق عبد الرَّحمن بن أبزي، عن عمر - رضي الله عنه - قال:"هذا الأمر في أهل بدر، ما بقي منهم أحدٌ، ثم في أهل أُحُدٍ، ثم في كذا، وليس فيها لطَلِيق، ولا لِمُسْلِمة الفتح شيء"، وهذا مصير منه إلى اعتبار تقديم الأفضل في الخلافة.
قال ابن بطال - رَحِمَهُ اللهُ - ما حاصله: إن عمر - رضي الله عنه - سلك في هذا الأمر مسلكًا متوسطًا؛ خشية الفتنة، فرأى أن الاستخلاف أضبط لأمر المسلمين، فجعل الأمر معقودًا موقوفًا على الستة؛ لئلا يترك الاقتداء بالنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأبي بكر، فأخذ من فعل النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرَفًا، وهو ترك التعيين، ومِنْ فِعل أبي بكر - رضي الله عنه -