يكن في شيء منها تصريح، لكن مجموعها يؤخذ منه ذلك، فليس في ذلك خلاف لِمَا رَوَى ابن عمر عن عمر - رضي الله عنهما -.
٦ - (ومنها): أن فيه ردًّا على مَن زعم من الراوندية أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصّ على العباس، وعلى قول الروافض كلها: إنه نصّ على عليّ، ووجه الردّ عليهم إطباق الصحابة على متابعة أبي بكر، ثم على طاعته في مبايعة عمر، ثم على العمل بعهد عمر في الشوري، ولم يَدَّع العباس، ولا عليّ أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهِد له بالخلافة.
وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وأجمعوا على أنَّه يجب على المسلمين نصب خليفة، ووجوبه بالشرع، لا بالعقل، وأما ما حُكِي عن الأصمّ أنه قال: لا يجب، وعن غيره: أنه يجب بالعقل، لا بالشرع فباطلان، أما الأصمّ فمحجوج باجماع من قبله، ولا حجة له في بقاء الصحابة بلا خليفة في مدّة التشاور يوم السقيفة، وأيام الشورى بعد وفاة عمر - رضي الله عنه -؛ لأنهم لَمْ يكونوا تاركين لنصب الخليفة، بل كانوا ساعين في النظر في أمر مَن يُعقد له، وأما القائل الآخر ففساد قوله ظاهر؛ لأنَّ العقل لا يوجب شيئًا، ولا يحسّنه، ولا يقبّحه، وإنما يقع ذلك بحسب العادة، لا بذاته.
٧ - (ومنها): ما قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - أيضًا: وفي هذا الحديث دليل أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ ينص على خليفة، وهو إجماع أهل السُّنَّة وغيرهم، قال القاضي عياض: وخالف في ذلك بكر بن أخت عبد الواحد، فزعم أنه نصّ على أبي بكر، وقال ابن راونديّ: نصّ على العباس، وقالت الشيعة والرافضة: على عليّ، وهذه دعاوى باطلة، وجسارة على الافتراء، ووقاحة في مكابرة الحسّ؛ وذلك لأنَّ الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعوا على اختيار أبي بكر، وعلى تنفيذ عهده إلى عمر، وعلى تنفيذ عهد عمر بالشوري، ولم يخالف في شيء من هذا أحد، ولم يَدَّع عليّ، ولا العباس، ولا أبو بكر وصيّة في وقت من الأوقات، وقد اتفق عليّ والعباس على جميع هذا من غير ضرورة مانعة، مِنْ ذِكر وصيّة لو كانت، فمن زعم أنه كان لأحد منهم وصية، فقد نسب الأمة إلى اجتماعها على الخطأ، واستمرارها عليه، وكيف يَحِلّ لأحد من أهل القبلة أن ينسب الصحابة إلى المواطأة على الباطل في كلّ هذه الأحوال؟ ولو كان شيء لنُقِل، فإنه من