للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يميني، يريد أنه ثَقُل عليه أن لا يكلّمه فيما حلف أن يكلّمه فيه حتى كأنه يَحمل جبلًا، وأنه لَمْ يزل كذلك إلى أن عاد، فكلّمه.

وقال القرطبيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قول ابن عمر: "كأنما أحمل بيميني جبلًا" يعني: أنه وجد ثقلًا بسبب خوفه من الحنث في يمينه؛ لأنَّها كانت على إثباتٍ، فهو في الحال على حِنْث؛ لأنه مخالف لِمَا حلف عليه، وأراد ابن عمر، أنه وجد من الثِّقَل بسبب اليمين التي حلفها كثقل مَنْ يحمل جبلًا، هو تشبية واستعارة. انتهى (١).

(فَدَخَلْتُ عَلَيْه، فَسَأَلَنِي عَنْ حَالِ النَّاس، وَأَنَا أُخْبِرُهُ، قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ مَقَالَةً، فَآلَيْتُ)؛ أي: أقسمت (أَنْ أَقُولَهَا لَكَ، زَعَمُوا أَنَّكَ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ) قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا إنما قاله الناس حين طُعِن عمر - رضي الله عنه -، وسَقَوه لبنًا، فخرج من طعنته، فيئسوا منه، وعلموا أنه هالك، فجرى ذلك. انتهى (٢).

(وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَكَ رَاعِي إِبِلٍ، أَو رَاعِي غَنَمٍ، ثمَّ جَاءَكَ، وَتَرَكَهَا، رَأَيْتَ أَنْ قَدْ ضَيَّعَ) "أن" مخفّفة من الثقيلة، واسمها ضمير شأن مقدَّر؛ أي: أنه قد ضيّعها؛ أي: فرّط فيها، وأهملها، والمعنى أنك تؤاخذ الراعي بأنه ضيّع الغنم بتركها بلا راع، فإذا كان الراعي يعدّ مقصِّرًا بتركها دون أن يستخلف عليها من يقوم بحفظها، فالإمام الذي يترك الناس بلا استخلاف خليفة عليهم أجدر أن يكون مهملًا مقصّرًا؛ لأنَّ الأمر في حِفْظ الناس ورعايتهم أشدّ، وآكد من أمر رعاية الإبل والغنم.

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: في كلام ابن عمر - رضي الله عنهما - هذا من الفقه استعمالُ القياس، فإنه قَرَّرَ على الأصل المعلوم، وهي رعاية الغنم والإبل، ثم حَمَل عليه رعاية الناس، ورأى أنَّها أَولى، فكأنَّ ذلك إلحاقُ مسكوتٍ عنه بمنطوقٍ به على طريق الأَوْلى، وهو نوع من أنواع الإلحاق، كما يُعرف في موضعه. انتهى (٣).


(١) "المفهم" ٤/ ١٢.
(٢) "المفهم" ٤/ ١٢.
(٣) "المفهم" ٤/ ١٢.