(فَرِعَايَةُ النَّاسِ)؛ أي: سياستهم، وتدبير شؤونهم (أَشَدُّ، قَالَ) ابن عمر (فَوَافَقَهُ قَوْلي)؛ أي: ناسَبَ عمر قولي هذا، وصوّبه.
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقوله: "فوافقه قولي"؛ يعني: أنه مال إليه، ونظر فيه، ولذلك وضع عمر - رضي الله عنه - رأسه يفكر في المسألة، ثم لَمَّا لاح له نَظَرٌ آخر أخذ يُبْدِيه، فرفع رأسه، وقال:"إن الله يحفظ دينه"، وإنما قال ذلك للذي قد عَلِمه من قوله تعالى:{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} الآية [التوبة: ٣٣]، ومن قوله تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} الآية [النور: ٥٥]، ولغير ذلك مما بَشَّر به النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من استيلاء المسلمين، وما يفتح الله تعالى عليهم من المشارق والمغارب، ومن قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ الله زَوَى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن مُلك أُمَّتِي سيبلغ ما زَوَى لي منها"، وغير ذلك. انتهى (١).
(فَوَضَعَ رَأْسَهُ سَاعَةً، ثُمَّ رَفَعَهُ إِلَيَّ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَحْفَظُ دِينَهُ)؛ يعني: أن هنا فرقًا بين ما ذكرت من قضيّة الراعي، وبين قضيّة رعاية الناس، ذلك أن ربّ الإبل، والغنم لا يقدر على حفظها إذا تركها، وغاب عنها، وأما رعاية الناس، فليست كذلك؛ لأنَّ الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يحفظ دينه، وإن تركت الاستخلاف؛ لِمَا وعد به من ذلك، حيث قال:{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} الآية، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤)} [المائدة: ٥٤]. وإذا ظهر الفرق فلي في عدم الاستخلاف أكبر أسوة، وأعظم حجة، وهو عدم استخلافه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِمَا يُعلم من أن الله تعالى يتولّى دينه، ويحفظه، فكان كذلك.
(وَإِنِّي لَئِنْ لَا أَسْتَخْلِفْ) وفي بعض النسخ: "فَإني إن لا أستخلف"، (فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَخْلِفْ، وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ، فَمنَّ أَبَا بَكْرٍ) - رضي الله عنه - (قَدِ اسْتَخْلَفَ، قَالَ) ابن عمر - رضي الله عنهما - (فَوَاللهِ مَا هُوَ)؛ أي: الأمر والشأن (إِلَّا أَنْ ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَعْدِلَ) يقال: عدلت هذا بهذا عَدْلًا، من باب