وبالجملة فأدلّة المنع مطلقًا واضحة، بخلاف أدلّة الإباحة، فتأملها بالإنصاف، والله تعالى أعلم.
ثم قال صاحب "التكملة" بعد نقل أقوال من هذا القبيل ما نصّه: فتبيّن بهذا أن ما يفعله الناس اليوم في الانتخابات الديمقراطيّة، من ترشيح أنفسهم لشتّى المناصب، ودعوة الناس إلى التصويت لهم، فليس من الإسلام في شيء؛ لأنَّ المقصود بذلك في الغالب هو طلب المنصب والرئاسة والشرف، على ما يصحبه من مدح الشخص نفسه، والنيل من أعراض مخالفيه، واشتراء الأصوات بالرشوة، وغيرها من المفاسد الظاهرة.
فينبغي إن عُقدت الانتخابات بطريقة شرعيّة أن لا يكون الشخص مرشّحًا نفسه، ولا داعيًا إلى ترشيحه، أو التصويت له. انتهى ما كتبه باختصار (١).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا كلّه فيما إذا فرضنا أن تلك الحكومة تحكّم شرع الله تعالى، وتعمل بالكتاب والسنّة، وأين هذا من الديمقراطيّة؛ وأما إذا كانوا يحكّمون القوانين الوضعيّة، ويفضّلونها على الإحكام الشرعيّة - كما هو الواقع الآن في كثير من البلدان - فلا شكّ في تحريم الدخول في الانتخاب بأيّ وجه من الوجوه، سواء كان بطلب منه، أو بدونه، بل لو انتخبوه لوجب عليه الفرار خوفًا من جهنّم، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة: ٤٤]، أعاذنا الله من جهنّم بمنّه وكرمه آمين.
[تنبيه]: حديث عبد الرَّحمن بن سمُرة - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه، وقد مضى في "كتاب الإيمان" برقم [٣/ ٤٢٧٣](١٦٥٢) ومضى بيان مسائله هناك، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.
[تنبيه]: يوجد في هامش النسخة الهنديّة ما نصّه: قال الشيخ أبو أحمد: نا أبو العبّاس الماسرجسيّ، نا شيبان بن فَرّوخ بهذا الحديث. انتهى.
و"أبو أحمد" هو: محمد بن عيسى الْجُلُوديّ، المتوفّى سنة (٣٦٨ هـ)، والماسرجسيّ هو: أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسن المتوفّى سنة ثمان وسبعين وثلاث مئة.