- رَحِمَهُ اللهُ -، وقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من طَلَب قضاء المسلمين حتى يناله، ثمّ غلب عدله جوره، فله الجنّة، ومن غَلَب جوره عدله فله النار"، أخرجه أبو داود، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وسكت عليه هو والمنذريّ، وسنده لا مطعن فيه، كما في "نيل الأوطار"(٨/ ٤٩٨).
قال الجامع عفا الله عنه: هكذا قال، وفيه نظر، فإن في سنده موسى بن نجدة مجهول، كما في "التقريب"، وغيره، فالحديث ضعيف (١)، فتنبّه.
قال: وكذلك قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا حسد إلَّا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا، فسُلّط على هَلَكَته في الحقِّ، ورجل آتاه الحكمة، فهو يقضي بها، ويُعلّمها"، متّفقٌ عليه.
ومن أجْل هذه الدلائل اختار أكثر الفقهاء التفصيل، فإن كان الغالب غير أهْل لذلك المنصب من الإمامة، أو القضاء، فإن طَلَبه محظور مطلقًا، وكذلك إذا كان الطلب لحبِّ الرئاسة والشرف، فإنه منهيٌّ عنه مطلقًا، وأما إذا كان للإصلاح بين الناس، وإقامة العدل، فليس بمنهيّ عنه.
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن كون النهي على الاطلاق هو الظاهر إلَّا عند الضرورة؛ لأنَّ الأدلّة المذكورة للإباحة غير واضحة، فأما حديث:"من طلب قضاء المسملمين … " فقد عرفت أنه ضعيف، لا يصلح للاحتجاج به، وأما آية يوسف - عَلَيْهِ السَّلَام - فمقام الأنبياء غير مقام سائر الناس؛ لِعِصْمتهم، وأيضًا فإنه في محلّ الضرورة، حيث رأى أن ذلك المنصب لا يصلح له إلَّا هو؛ إذ هو قيامٌ بتوزيع الأرزاق بين الناس في أيام المجاعة، فلو تولّى غيره لضاع حقوق الناس في ذلك، فهذا لو قدّرنا الآن أنه لو تولّى هذا المنصب من لا يراعي حقوق الناس، وخشي الإنسان ذلك، فله أن يطلب الإمارة؛ لضرورة الحفظ على حقوق الناس، والله تعالى أعلم.
وأما حديث:"لا حسد … إلخ" فإنه لا يدلّ على الطلب، وإنما يدلّ على القضاء العادل، وهذا يوجد فيمن وُلّي كارهًا، ولا يُفهم منه الطلب أصلًا.
(١) وقد أصاب الشيخ الألبانيّ - رحمه الله - حيث ضعّفه فيما كتبه على "سنن أبي داود" ٣/ ٢٩٩.