للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لذلك؛ هيبةً له، وخوفًا من الوقوع في المحذور، فإنه يُعان عليه، إذا دخل فيه، ويُسَدَّد، والأصل فيه: أن من تواضع لله رفعه الله.

وقال ابن التين: هو محمول على الغالب، وإلا فقد قال يوسف - عَلَيْهِ السَّلَام -: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} [يوسف: ٥٥]، وقال سليمان: {وَهَبْ لِي مُلْكًا} [ص: ٣٥]، قال: ويَحْتَمِل أن يكون في غير الأنبياء - عَلَيْهِمُ السَّلَام -.

ويستفاد من الحديث أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه، فيدخل في الإمارة: القضاء، والحسبة، ونحو ذلك، وأن من حَرَص على ذلك لا يعان.

ويعارضه في الظاهر ما أخرجه أبو داود، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، رفعه: "مَن طَلَب قضاء المسلمين حتى يناله، ثم غَلَب عَدْله جَوْره، فله الجَنَّة، ومن غلب جوره عَدْله، فله النار"، والجمع بينهما أنه لا يلزم من كونه لا يعان بسبب طلبه أن لا يحصل منه العدل إذا وُلّي، أو يُحْمَل الطلب هنا على القصد، وهناك على التولية، وفي حديث أبي موسى الأشعريّ - رضي الله عنه - مرفوعًا: "لا نستعمل على عملنا من أراده"، متّفقٌ عليه، وفي لفظ للبخاريّ: "إنّا لا نُوَلِّي هذا من سأله، ولا مَن حَرَص عليه"، ولذلك عَبَّر في مقابله بالإعانة، فإن من لَمْ يكن له من الله عون على عمله لا يكون فيه كفاية لذلك العمل، فلا ينبغي أن يجاب سؤاله، ومن المعلوم أن كلّ ولاية لا تخلو من المشقّة، فمن لَمْ يكن له من الله إعانة تورّط فيما دخل فيه، وخَسِر دنياه وعقباه، فمن كان ذا عقل لَمْ يتعرض للطلب أصلًا، بل إذا كان كافيًا، وأُعطيها من غير مسألة فقد وعده الصادق بالإعانة، ولا يخفى ما في ذلك من الفضل، قاله في "الفتح" (١)، وهو تحقيق حسنٌ.

وبعد كتابتي ما تقدّم رأيت صاحب "التكملة" (٢) كتب هنا بحثًا مفيدًا أحببت إيراده باختصار؛ لنفاسته، وتكميلًا لِمَا سبق، قال: واستَدَلّ بهذا الحديث مَن مَنَعَ طلب الإمارة، والقضاء مطلقًا، ويدل على خلاف ذلك قول الله تعالى حكايةً عن يوسف - عَلَيْهِ السَّلَام -: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ


(١) "الفتح" ١٦/ ٦٢٩ - ٦٣٠، كتاب "الأحكام" رقم (٧١٤٧).
(٢) هو صاحب "تكملة فتح الملهم" الشيخ محمد تقيُّ الدين العثمانيّ - رَحِمَهُ اللهُ -.