عَنْ أَبِي بُرْدَةَ أنه (قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى) الأشعريّ - رضي الله عنه - (أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)؛ أي: توجَّهت إليه من المحلّ الذي كنت فيه، وقد بيّن سبب إقباله فيما أخرجه النسائيّ من طريق سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى، "قال: أتاني ناس من الأشعريين، فقالوا: اذهب معنا إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن لنا حاجةً، فذهبت معهم … " الحديث.
(وَمَعِي رَجُلَانِ) جملة حاليّة من فاعل "أقبلت"، وقد تقدّم أنه لا يُعرف اسمهما. (مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ)؛ أي: من قبيلة أشعر، بفتح الهمزة، والعين: نسبة إلى الأشعر، أبو قبيلة باليمن، وهو نبت بن أُدَد بن زيد بن يشجب بن عريب، وإنما قيل له: الأشعر؛ لأنَّ أمه ولدته، والشعر على بدنه، قاله في "اللباب"(١)، وقوله:(أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِي، وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِي) جملة حاليّة من "رجلان"؛ لتخصّصه بالوصف بالجارّ والمجرور. (فَكِلَاهُمَا) مبتدأ مرفوع بالألف؛ لكونه ملحقًا بالمثنّى، كما قال في "الخلاصة":
وقوله:(سَأَلَ الْعَمَلَ) خبر المبتدأ؛ يعني أن كلًّا من الرجلين الأشعريَّين طلب من النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يجعله واليًا على بعض الأعمال.
[تنبيه]: إنما أفرد الضمير في قوله: "سأل"؛ لأنَّ الأكثر في "كلا"، و"كلتا" إفراد الضمير؛ مراعاة للفظهما، قال الله تعالى:{كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} الآية [الكهف: ٣٣]، ويجوز أيضًا مراعاة المعنى بقلّة، فيقال: كلاهما قاما، وقوله:(وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَاكُ) جملة حاليّة من الفاعل. (فَقَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ("مَا تَقُولُ يَا أَبا مُوسىَ) "ما" استفهاميّة: أَيْ: أيُّ شيء تقول فيما سأله هذا الرجلان؟.
قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هو استفهامُ استعلامٍ عمَّا عنده من إرادته العمل، أو من معونته لهما على استدعائهما العمل، فأجابه بما يقتضي أنه لَمْ يكن عنده إرادة ذلك، ولا خبرٌ من إرادة الرجلين، فلمَّا تحقق النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك ولَّاه العمل؛ إذ لَمْ يسأله، ولا حَرِص عليه، ومَنَعه الرَّجلين؛ لِحِرْصهما، وسؤالهما؛