(قَالَ) معاذ (مَا هَذَا؟)؛ أي: ما شأن هذه الموثق؟ (قَالَ) أبو موسى (هَذَا كَانَ يَهُودِيًّا، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ رَاجَعَ دِينَهُ دِينَ السَّوْءِ) بفتح، فسكون؛ أي: دين الشرّ، قال المجد: ولا خَيْرَ في قَوْلِ السَّوْء، بالفتح، والضم، إذا فَتَحْتَ فَمَعْنَاه: في قَوْلٍ قَبيح، وإذا ضَمَمْتَ فمعناه: في أَنْ تَقُولَ سُوءًا، وقُرِئ:{عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ}[التوبة: ٩٨] بالوَجْهَيْن؛ أي: الهَزِيمة، والشَّر، والرَّدَي، والفَسَاد، وكذا {أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ}[الفرقان: ٤٠]، أو المَضْمُومُ: الضَّرَرُ، والمَفْتُوحُ: الفَسَادُ، والنَّارُ، ومنه:{ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى}[الروم: ١٠] في قِرَاءَةٍ، ورَجُلُ سَوءٍ، ورَجُلُ السَّوْء، بالفتح، والإضافَةِ. انتهى (١).
(فَتَهَوَّدَ)؛ أي: صار يهوديًّا، وفي رواية لأحمد من طريق أيوب، عن حميد بن هلال، عن أبي بردة، قال:"قَدِم معاذ بن جبل على أبي موسى، فإذا رجل عنده، فقال: ما هذا؟ … "، فذكر مثله، وزاد:"ونحن نريده على الإسلام منذ أحسبه شهرين"، وأخرج الطبرانيّ من وجه آخر، عن معاذ، وأبي موسى:"أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمَرَهما أن يعلّما الناس، فزار معاذ أبا موسى، فإذا عنده رجل مُوثَق بالحديد، فقال: يا أخي أَوَ بُعِثت تُعَذِّب الناس؟ إنما بُعثنا نعلّمهم دينهم، ونأمرهم بما ينفعهم، فقال: إنه أسلم، ثم كفر، فقال: والذي بعث محمدًا بالحقّ لا أبرح حتى أحرقه بالنار".
(قَالَ) معاذ (لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ) بالبناء للمفعول، (قَضَاءُ اللهِ) تعالى (وَرَسُول) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، و"قضاء" مرفوع، على أنَّه خبر لمحذوف؛ أي: هذا قضاء الله ورسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويجوز نَصْبه على الحال، أو على أنَّه مفعول مطلق لعامل محذوف؛ أي: اقضِ قضاء الله ورسوله، أو مفعول لفعل محذوف؛ أي: نفّذ قضاء الله ورسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا يدلّ بظاهره على أنَّ المرتدّ لا يستتاب، وأنه يُقتل من غير استتابة، وبه قال الحسن، وطاووس، وبعض السَّلف، وحُكي عن عبد العزيز بن أبي سلمة، وهو قول أهل الظاهر، وحكاه الطحاويّ عن أبي يوسف، قالوا: وتنفعه توبته عند الله تعالى، ولكن لا تَدْرأ عنه القتل.