وفرَّق عطاء بين من وُلد مسلمًا، فلم نستتبه، وبين من أسلم ثم ارتدّ، وجمهور الأئمة، والفقهاء على استتابته، وحَكَى ابن القَصَّار إجماع الصحابة على استتابته، ثم اختلف هؤلاء في مدّة الاستتابة، وهل يضرب لها أجل؛ فقال أحمد، وإسحاق: ثلاثةُ أيام، واستحسنه مالك، وأبو حنيفة، وقاله الشافعيّ مرةً، وحَكَى ابن القصَّار عن مالك فيه قولين: الوجوب، والاستحباب، وقال الزهريّ: يُدعى إلى الإسلام ثلاث مرات، فإن أبي قُتِلَ، وقاله الشافعيّ مرةً، وقال المزنيّ: يُقتل مكانه إن لَمْ يَتُب، وعن عليّ - رضي الله عنه -: أنه يستتاب شهرًا، وقال النَّخعيّ: يستتاب أبدًا، وقاله الثوريّ، وعن أبي حنيفة: يستتاب ثلاث مرات، أو ثلاث جُمع، أو ثلاثة أيام؛ مرّة في كلّ يوم، أو جمعة، والرَّجل والمرأة عند الجمهور سواء، وفرَّق أبو حنيفة، فقال: تُسجن المرأة، ولا تُقتل، وشذَّ قتادة، والحسن، فقالا: تُسْتَرَقُّ، ولا تُقتل.
ورُوي مثله عن عليّ، وخالف أصحاب الرأي في الأَمَة، فقالوا: تُدْفَعُ إلى سيدها، ويجبرها على الإسلام.
وَقَتْل المرتدّ بالسيف عند الجمهور، وذهب ابن سُريج من أصحاب الشافعيّ إلى أنه يُقتل بالخشب ضربًا؛ لأنه أبطأُ لقتله، لعله يُراجع التوبة أثناء ذلك.
وفيه حُجّة على أنَّ لولاة الأمصار إقامة الحدود في القتل، والزني، وغير ذلك، وهو مذهب كافة العلماء: مالك، والشافعيّ، وأبي حنيفة، وغيرهم.
واختُلِفَ في إقامة ولاة المياه، وأشباههم كذلك، فرأى أشهب ذلك لهم، إذا جعل ذلك لهم الإمام، وقال ابن القاسم نحوه، وقال الكوفيون: لا يقيمه إلَّا فقهاء الأمصار، ولا يقيمه عامل السَّواد.
واختُلِفَ في القضاة إذا كانت ولايتهم مطلقة غير مقيّدة بنوع من الإحكام، فالجمهور على أنَّ جميع ذلك لهم؛ من إقامة الحدود، وإثبات الحقوق، وتغيير المناكير، والنظر في المصالح، سواء أكان الحقّ لآدميّ، أو اختص بحق الله تعالى، وحكمُه عندهم حكم الوصيِّ المطلق اليد في كلّ شيء، إلَّا ما يختصّ بضبط بيضة الإسلام، من إعداد الجيوش، وجباية الخراج.