واختَلَف أصحاب الشافعيّ: هل له نَظَر في مال الصدقات، والتقدّم للجُمَع والأعياد، أم لا؟ على قولين، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا نظر له في إقامة حدٍّ، ولا في مصلحةٍ إلَّا لطالب مُخَاصِمٍ، وحُكمه عنده حُكم الوكيل. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن ما ذهب إليه كافّة العلماء من إقامة ولاة الأمصار للحدود، من القتل، والرجم، وغير ذلك هو الأرجح؛ لحديث الباب، وغيره، فتأمل بالإنصاف، والله تعالى أعلم.
(فَقَالَ) أبو موسى (اجْلِسْ، نَعَمْ)؛ أي: نقتله، (قَالَ) معاذ (لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَضَاءُ اللهِ وَرَسُولِه، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)؛ أي: كَرّر هذا الكلام ثلاث مرات، وبَيَّن أبو داود في روايته أنهما كرّرا القول، أبو موسى يقول:"اجلس"، ومعاذ يقول:"لا أجلس"، فعلى هذا فقوله:"ثلاث مرات" من كلام الراوي، لا تتمة كلام معاذ، ووقع في رواية أيوب بعد قوله:"قضاء الله ورسوله": "أن من رجع عن دِينه - أو قال: بدَّل دينه، فاقتلوه".
(فَأَمَرَ بِهِ)؛ أي: أمر أبو موسى بقتله، (فَقُتِلَ) بالبناء للمفعول، وفي رواية أيوب:"فقال: والله لا أقعد، حتى تضربوا عنقه، فضُرِب عنقه"، وفي رواية الطبرانيّ:"فأَتَى بحطب، فألْهَب فيه النار، فكَتَّفه، وطرحه فيها"، ويمكن الجمع بأنه ضَرَب عنقه، ثم ألقاه في النار، ويؤخذ منه أن معاذًا وأبا موسى كانا يريان جواز التعذيب بالنار، وإحراق الميت بالنار مبالغة في إهانته، وترهيبٌ عن الاقتداء به.
وأخرج أبو داود، من طريق طلحة بن يحيى، ويزيد بن عبد الله، كلاهما عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال:"قَدِم عليّ معاذ، فذكر قصة اليهوديّ، وفيه: فقال: لا أنزل عن دابتي حتى يُقْتَل، فقُتل، قال أحدهما: وكان قد استتيب قبل ذلك"، وله من طريق أبي إسحاق الشيبانيّ، عن أبي بردة:"أتِي أبو موسى برجل قد ارتدّ عن الإسلام، فدعاه، فأبى عشرين ليلةً، أو قريبًا منها، وجاء معاذ، فدعاه، فأبى، فضَرَب عنقه"، قال أبو داود: رواه