للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عبد الملك بن عمير، عن أبي بردة، فلم يذكر الاستتابة، وكذا ابن فُضيل، عن الشيبانيّ، وقال المسعوديّ عن القاسم - يعني: ابن عبد الرَّحمن - في هذه القصة: "فلم ينزل، حتى ضُرِب عنقه، وما استتابه".

قال الحافظ: هذا تعارضه الرواية المثبتة؛ لأنَّ معاذًا استتابه، وهي أقوى من هذه والروايات الساكتة عنها، لا تعارِضها، وعلى تقدير ترجيح رواية المسعوديّ، فلا حجة فيه لمن قال: يُقتل المرتدّ بلا استتابة؛ لأنَّ معاذًا يكون اكتفى بما تقدّم من استتابة أبي موسى، وقد ذكرت قريبًا أن معاذًا رَوَى الأمر باستتابة المرتدّ، والمرتدّة. انتهى (١).

(ثُمَّ تَذَاكَرَا)؛ أي: أبو موسى، ومعاذ - رضي الله عنه -، (الْقِيَامَ مِنَ اللَّيْلِ) "من" بمعنى "في"، أو هي للتبعيض، وفيه إشارة إلى أنه لا يُشرع قيام كلّ الليل، وفي رواية للبخاريّ: "ثم تذاكرا قيام الليل"، وفي رواية سعيد بن أبي بردة؛ "فقال: كيف تقرأ القرآن؟ "؛ أي: في صلاة الليل.

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "ثم تذاكرا قيام الليل"؛ أي: فضل قيام الليل، هل الأفضل قيامُه كله، أو قيام بعضه؟ فكأن أبا موسى ذهب إلى أن قيامه كله لمن قَوِيَ عليه أفضل، وهذا كما وقع لعبد الله بن عمرو في حديثه المتقدّم، وكأنّ معاذًا رأى أن قيام بعضه، ونوم بعضه أفضل، وهذا كما أشار إليه النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث عبد الله بقوله: "إنك إذا فعلت ذلك هجمتْ عينُك، ونَفِهَت نفسك"، وكما قاله في حديث البخاريّ المتقدم: "أمَّا أنا فأقوم، وأنام"، وقال في آخره: "فمن رغب عن سُنَّتي فليس مني". انتهى (٢).

(فَقَالَ أَحَدُهُمَا) وقوله: (مُعَاذٌ) مرفوعٌ على البدليّة لـ "أحدُهما"، ووقع في رواية سعيد بن أبي بردة: "فقال أبو موسى: أقرؤه قائمًا، وقاعدًا، وعلى راحلتي، وأتفوّقه - بفاء، وقاف، بينهما واو ثقيلة؛ أي: ألازم قراءته - في جميع الأحوال"، وفي أخرى: "فقال أبو موسى: كيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل، فأقوم، وقد قضيت حاجتي، فأقرأ ما كتب الله لي".

(أمّا أَنَا فَأَنَامُ) بعض الليل، (وَأَقُومُ) بعضه، (وَأَرْجُو فِي نَوْمَتِي مَا أَرْجُو


(١) "الفتح" ١٦/ ١٥٠ - ١٥١.
(٢) "المفهم" ٤/ ١٩ - ٢٠.