مشروطة أيضًا بكون الأمر صادرًا عن مصلحة، لا عن هوى، أو ظلم؛ لأن الحاكم لا يطاع لذاته، وإنما يطاع من حيث إنه مُتَوَلٍّ لمصالح العامّة، فإن أمر بشيء اتباعًا لهوى نفسه دون نَظَرٍ إلى مصالح المسلمين، فإنه أمْر صَدَر من ذاته وشخصه، لا من حيث كونه حاكمًا، فلا يقع بمثابة أوامره من حيث كونه حاكمًا، ولذلك قال الفقهاء: تصرّف الإمام على الرعيّة منوط بالمصلحة.
فال الجامع عفا الله عنه: قوله: "ولكن هذه الطاعة. . . إلخ" لا يخفى ما فيه لمن تأمله، فإن قوله في الحديث:"في منشطنا، ومكرهنا، وفي أثرة علينا"، يخالفه تمامًا، فتأمله بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم.
قال: وتفريعًا على هذا المبدأ قرّر الفقهاء أن حكم الحاكم رافع للخلاف في الأمور المجتهَد فيها، فمتى صادف أمره فصلًا مجتهَدًا فيه نفذ، ووجب اتّباعه، ولو كان الرجل لا يرى رأيه في تلك المسألة، ولذا لمّا أَمَر هارون الرشيد أبا يوسف ومحمدًا أن يكبّرا في العيدين بتكبيرة جدّه امتثلا أمره، مع أنهما لا يريان التكبيرات الزوائد على الستّ (١).
وأما المبدأ الثاني: فهو لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فلا يُطاع أمير، ولا إمام إن أمر بما هو معصيةٌ، وإن هذا المبدأ لو عُمِل به في بلاد المسلمين اليوم لأغنى عن كثير من الإضرابات، والاضطرابات الجارية في كثير من البلدان، ولاضطرّت به الحكومات إلى تطبيق الشريعة الإسلاميّة في جميع نواحي الحياة، فلو امتنع القضاة عن إصدار حكم لا يوافق شرع الله، وامتنع الموظّفون من امتثال الأوامر المصادمة لأوامر الله، وامتنع أصحاب البنوك من التمويل على أساس الربا المحرّم شرعًا، وامتنع العامّة من إيداع أموالهم في البنوك الربويّة، وامتنع كل مسلم من الخضوع للأحكام المصادمة للشريعة الغراء، لاضطرّت الحكومات إلى إلغاء القوانين الوضعيّة التي لا توافق الشريعة الإسلاميّة.
وهذا هو الطريق المشروع للضغط على الحكومات في سبيل إقامة