نازعه في المعصية، بأن يُنكر عليه برفق، ويتوصل إلى تثبيت الحقّ له بغير عُنف، ومحل ذلك إذا كان قادرًا، والله أعلم.
ونقل ابن التين عن الداوديّ قال: الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قُدر على خلعه بغير فتنة، ولا ظلم وَجَب، وإلا فالواجب الصبر، وعن بعضهم: لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء، فإن أحدث جورًا بعد أن كان عدلًا، فاختلفوا في جواز الخروج عليه، والصحيح المنع، إلا أن يَكْفُر، فيجب الخروج عليه. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه، وقد مضى بيان مسائله قبل حديثين، ولله الحمد والمنّة.
[خاتمة] نختم بها هذا الباب: قد كتب صاحب "تكملة فتح الملهم" هنا فائدة مهمّة، أحببت إيرادها هنا؛ لأهمّيتها، قال: قوله: "إنما الطاعة في المعروف" قد ثبت بأحاديث الباب مبدءان عظيمان من مبادئ السياسة الإسلاميّة، استعملها الفقهاء في كثير من المسائل:
الأول: مبدأ طاعة الأمير، وأن المسلم يجب عليه أن يطيع أميره في الأمور المباحة، فإن أَمَر بفعل مباح، وجبت مباشرته، وإن نهى عن أمر مباح حرُم ارتكابه؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - قال:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء: ٥٩]، فلو كان المراد من طاعة أولي الأمر طاعتهم في الواجبات الشرعيّة فحسب، لَمَا كان هناك داع لاستقلالهم بالذِّكر في هذه الآية؛ لأن طاعتهم في الواجبات الشرعيّة ليست طاعة لأولي الأمر، وإنما هي طاعة لله تعالى، ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فلمّا أفردهم الله تعالى بالذِّكر ظَهَر أن المراد طاعتهم في الأمور المباحة.
ومن هنا صرّح الفقهاء بأن طاعة الإمام فيما ليس بمعصية واجبة، قال ابن عابدين في "باب الاستسقاء" من "ردّ المحتار"(١/ ٧٩٢): إذا أمر الإمام بالصيام في غير الأيام المنهية وَجَب؛ لأن طاعة الإمام فيما ليس بمعصية واجبة، وحكى ابنه علاء الدين عن البيريّ أن الحاكم لو أمر أهل بلدة بصيام أيام بسبب الغلاء، أو الوباء وجب امتثال أمره، راجع:"قرّة عيون الأخيار"(٢/ ٥٤).
ولكن هذه الطاعة كما أنها مشروطة بكون أَمْر الحاكم غير معصية، فإنها