للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "إنما الإمام جُنَّة": الْمِجَنُّ، والْجُنَّةُ، والْجَانُّ، والْجَنَّةُ، والْجِنَّةُ: كله راجع إلى معنى السِّتر، والتَّوَقِّي؛ يعني: أنه يُتَّقى بنظره، ورأيه في الأمور العظام، والوقائع الخطيرة، ولا يُتَقدّم على رأيه، ولا يُنفرد دونه بأمر مهمّ حتى يكون هو الذي يَشْرَع في ذلك. انتهى (١).

(يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ) ببناء الفعل للمفعول؛ أي: يقاتَل معه الكفّار، والبُغاة، والخوارج، وسائر أهل الفساد والظلم مطلقًا.

وقال في "الفتح": قوله: "يُقاتل من ورائه" بفتح المثناة، والمراد به: المقاتلة للدفع عن الإمام، سواء كان ذلك من خلفه حقيقةً، أو قُدّامه، ووراء يُطلق على المعنيين. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "يُقاتَل من ورائه"؛ أي: أمامه، ووراء من الأضداد، يقال: بمعنى: خلف، وبمعنى: أمام، وعلى هذا حَمَل أكثر المفسرين قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} [الكهف: ٧٩]؛ أي: أمامهم، وأنشدوا قول الشاعر [من الطويل]:

أَتَرْجُو بَنُو مَرْوَانَ سَمْعِي وَطَاعَتِي … وَقَوْمِي تَمِيمٌ وَالْفَلَاةُ وَرَائِيَا؟!

وأصله: أن كل ما توارى عنك؛ أي: غاب، فهو وراء، وهذا خبرٌ منه - صلى الله عليه وسلم - عن المشروعية، فكأنه قال: الذي يجب، أو يتعيَّن أن يقاتل أمام الإمام، ولا يترك يباشر القتال بنفسه؛ لِمَا فيه من تعرّضه للهلاك؛ فيهلك كل من معه، ويكفي دليلًا في هذا المعنى تغبية (٣) رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابُهُ يوم بدر وغيره، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان في العريش، في القلب، والمقاتِلة أمامه.

وقد تضمَّن هذا اللفظ - على إيجازه - أمرين:

أحدهما: أن الإمام يُقتدى برأيه، ويُقاتَل بين يديه، فهما خبران عن أمرين متغايرين، وهذا أحسن ما قيل في هذا الحديث، على أن ظاهره أنه يكون أمامَ


(١) "المفهم" ٤/ ٢٥.
(٢) "الفتح" ٧/ ٢١٥ - ٢١٦، كتاب "الجهاد" رقم (٢٩٥٧).
(٣) هكذا النسخة بالغين المعجمة، والظاهر أنه مِنْ غبَّى بمعنى أخفى، فيكون من إضافة المصدر إلى مفعوله، ورفع الفاعل، وهو "أصحابُهُ"، والله تعالى أعلم.