للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الناس في القتال وغيره، وليس الأمر كذلك، بل كما بينَّاه، والله أعلم. انتهى (١).

وقال السنديّ - رحمه الله -: قيل: المراد أنه يقاتَل قُدّامه، فـ "وراءه" ههنا بمعنى: "أمام"، ولا يُترك يباشر القتال بنفسه؛ لِمَا فيه من تعرّضه للهلاك، وفيه هلاك الكلّ، قال: وهذا لا يناسب التشبيه بالْجُنّة، مع كونه خلاف ظاهر اللفظ في نفسه، فالوجه أن المراد: أنه يُقاتَل على وِفْق رأيه، وأَمْره، ولا يُختلَف عليه في القتال، والله تعالى أعلم.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله السنديّ - رحمه الله - في معنى "من ورائه" حسنٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

وقوله: (وَيُتَّقَى بِهِ)؛ أي: يُعتصم برأيه، أو يَلتجئ إليه من يَحتاج إلى ذلك، وقال ابن الأثير - رحمه الله -: أي: يُدفَع به العدوّ، ويُتَّقَى بقوّته، والتاء فيها مبدلة من الواو؛ لأن أصلها من الوقاية، وتقديرها اوْتَقَى، فقُلبت، وأدغمت، فلمَّا كَثُر استعماله توهّموا أن التاء من نفس الحرف، فقالوا: اتَقَى يَتَقِي بفتح التاء فيهما، وربما قالوا: تَقَى يَتْقِي، مثلُ رَمَى يَرْمِي. انتهى (٢).

وقال الطيبيّ - رحمه الله -: قوله: "ويُتّقَى به" بيان لقوله: "يُقاتَلُ من ورائه"، والبيان مع المبيّن تفسير لقوله: "إنما الإمام جنّةٌ". انتهى (٣).

(فَإِنْ أَمَرَ) الإمام (بِتَقْوَى اللهِ - عز وجل -، وَعَدَلَ)؛ أي: في حكمه، (كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ) التنوين للتعظيم؛ أي: أجر عظيم، وقال القرطبيّ (٤): أي: أجر عظيم، فَسَكَتَ عن الصفة؛ للعلم بها، وقد دلّ على ذلك ما تقدَّم من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن المقسطين على منابر من نور"، وقوله في السبعة الذين يظلهم الله في ظله: "وإمام عادلٌ"، متّفقٌ عليه.

(وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ") قال القرطبيّ - رحمه الله -: أي: إنْ يأمر بِجَور كان عليه الحظّ الأكبر من إثم الجور، و"من" هنا للتبعيض؛ أي: لا يختص هو بالإثم، بل الْمُنَفِّذ لذلك الْجَوْر يكون عليه أيضًا حظه من الإثم، والراضي به،


(١) "المفهم" ٤/ ٢٦.
(٢) "النهاية في غريب الأثر" ١/ ١٩٢.
(٣) "الكاشف عن حقائق السنن" ٨/ ٢٥٥٧.
(٤) "المفهم" ٤/ ٢٦.