للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ورأى أن ما ينفق معاوية على الجند في منازعة عليّ من أكل المال بالباطل، وقتل النفس. انتهى (١).

(وَاللهُ يَقُولُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ})؛ أي: بما لم تُبحه الشريعة، من نحو السرقة، والخيانة، والقمار، وعقود الربا، ({إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً}) قُرئ برفع {تِجَارَةً}؛ أي: إلا أن تقع تجارةٌ، وبنصبها؛ أي: إلا أن تكون الأموال أموالَ تجارة.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} هذا استثناء منقطع؛ أي: ولكن تجارة عن تراض.

والتجارة هي البيع والشراء، وهذا مثل قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥].

وقرئ {تِجَارَةً}، بالرفع؛ أي: إلا أن تقع تجارةٌ، وعليه أنشد سيبويه [من الطويل]:

فِدًى لِبَنِي ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَ نَاقَتِي … إِذَا كَانَ يَوْمٌ ذُو كَوَاكِبَ أَشْهَبُ

وتسمى هذه "كان" التامة؛ لأنها تمّت بفاعلها، ولم تحتج إلى مفعول.

وقُرئ {تِجَارَةً} بالنصب، فتكون "كان" ناقصة؛ لأنها لا تتم بالاسم دون الخبر، فاسمها مُضْمَر فيها، وإن شئت قدّرته؛ أي: إلا أن تكون الأموالُ أموالَ تجارة، فحُذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠].

قال: والتجارة في اللغة عبارة عن المعاوضة، ومنه الأجر الذي يعطيه البارئ - سبحانه وتعالى - العبد عوضًا عن الأعمال الصالحة التي هي بعضٌ من فعله، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (١٠)} [الصف: ١٠]، وقال تعالى: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر: ٢٩].

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} الآية [التوبة: ١١١]

فسمى ذلك كله بيعًا وشراءً على وجه المجاز، تشبيهًا بعقود الأشرية


(١) "شرح الأبيّ" ٥/ ١٩٠.