للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والبِياعات التي تحصل بها الأغراض، وهي نوعان: تقلُّب في الحضر من غير نُقْلة ولا سفر، وهذا تربصٌ واحتكارٌ قد رَغِب عنه أولو الأقدار، وزَهِد فيه ذوو الأخطار.

والثاني: تقلّب المال بالأسفار ونقله إلى الأمصار، فهذا أليق بأهل المروءة، وأعم جدوى ومنفعة، غير أنه أكثر خطرًا وأعظم غَرَرًا.

قال: واعلم أن كل معاوضة تجارةٌ على أيّ وجه كان العوض، إلا أن قوله: {بِالْبَاطِلِ} أخرج منها كل عِوَض لا يجوز شرعًا من ربًا، أو جهالة، أو تقدير عوض فاسد، كالخمر، والخنزير، وغير ذلك.

وخرج منها أيضًا كل عقد جائز لا عوض فيه، كالقرض، والصدقة، والهبة، لا للثواب.

وجازت عقود التبرعات بأدلة أخرى مذكورة في مواضعها، فهذان طرفان متفق عليهما. انتهى (١).

وقوله: {عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} صفة لـ "تجارة"؛ أي: تجارة صادرةً عن تراض، أو: ولكن كونُ تجارة عن تراض غيرُ منهيّ عنه، قال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله تعالى: {عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}؛ أي: عن رِضًى، إلا أنها جاءت من المفاعلة؛ إذ التجارة من اثنين.

واختلف العلماء في التراضي، فقالت طائفة: تمامه وجزمه بافتراق الأبدان بعد عقدة البيع، أو بأن يقول أحدهما لصاحبه: اختر، فيقول: قد اخترت، وذلك بعد العقدة أيضًا فينجزم أيضًا وإن لم يتفرقا، قاله جماعة من الصحابة والتابعين، وبه قال الشافعيّ، والثوريّ، والأوزاعيّ، والليث، وابن عيينة، وإسحاق، وغيرهم (٢). وقد تقدّم تمام البحث في هذا في "كتاب البيوع"، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.

وقال النسفيّ - رحمه الله -: وخصّ التجارة بالذكر؛ لأن أسباب الرزق أكثرها متعلّق بها.


(١) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبيّ - رحمه الله - ٥/ ١٥٠ - ١٥٢.
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبيّ - رحمه الله - ٥/ ١٥٢.