للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

({وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ})؛ أي: مَن كان من جنسكم من المؤمنين؛ لأن المؤمنين كنفس واحدة، أو: ولا يقتل الشخص نفسه، كما يفعله بعض الجهلة، أو معنى القتل: أكلُ الأموال بالباطل، فظالم غيره كمهلك نفسه، أو: لا تتبعوا أهواءها، فتقتلوها، أو ترتكبوا ما يوجب قتلها، ثم لَفْظُها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل في الحرص على الدنيا، وطلب المال (١).

وقال أبو عبد الله القرطبيّ المفسّر - رحمه الله -: قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}: قرأ الحسن: (تُقَتِّلوا) على التكثير.

وأجمع أهل التأويل على أن المراد بهذه الآية: النهي أن يقتل بعضُ الناس بعضًا، بأن يَحْمِل نفسه على الغرر المؤدِّي إلى التلف، ويَحْتَمل أن يقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} في حال ضجر، أو غضب، فهذا كله يتناول النهي، وقد احتَجَّ عمرو بن العاص بهذه الآية حين امتنع من الاغتسال بالماء البارد حين أجنب في غزوة ذات السلاسل؛ خوفًا على نفسه منه، فقرّر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - احتجاجه، وضحك عنده، ولم يقل شيئًا. حديث صحيحٌ، أخرجه أبو داود (٢).

({إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا})؛ أي: ولرحمته بكم نبّهكم على ما فيه صيانة أموالكم، وبقاء أبدانكم، وقيل: معناه أنه أمر بني إسرائيل بقتلهم أنفسهم؛ ليكون توبةً لهم، وتمحيصًا لخطاياهم، وكان بكم يا أمّة محمد - صلى الله عليه وسلم - رحيمًا، حيث لم يكلّفكم تلك التكاليف الصعبة (٣).

وقال أبو العبّاس القرطبيّ - رحمه الله -: ما ذكره عبد الرحمن عن معاوية - رضي الله عنه - إغياء في الكلام على حسب ظنّه، وتأويله، وإلا فمعاوية - رضي الله عنه - لم يُعرف من حاله، ولا من سيرته شيء مما قال له، وإنما هذا كما قالت طائفة من الأعراب: إن ناسًا من المصدّقين يظلموننا، فسَمَّوا أخذ الصدقة ظلمًا؛ حسب ما وقع لهم. انتهى (٤).

وقال النوويّ - رحمه الله -: المقصود بهذا الكلام: أن هذا القائل لَمّا سمع كلام


(١) "تفسير النسفيّ" ١/ ٢٢١.
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبيّ - رحمه الله - ٥/ ١٥٢ - ١٥٣.
(٣) "تفسير النسفيّ" ١/ ٢٢١.
(٤) "المفهم" ٤/ ٥٤.