للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، وذكر الحديث في تحريم منازعة الخليفة الأول، وأن الثاني يُقتل، فاعتقد هذا القائل هذا الوصف في معاوية؛ لمنازعته عليًّا - رضي الله عنهما -، وكانت قد سبقت بيعة عليّ - رضي الله عنه -، فرأى هذا أن نفقة معاوية على أجناده، وأتباعه في حرب عليّ، ومنازعته، ومقاتلته إياه، من أَكْل المال بالباطل، ومن قَتْل النفس؛ لأنه قتال بغير حقّ، فلا يستحقّ أحد مالًا في مقاتلته. انتهى (١).

(قَالَ) ابن عبد ربّ الكعبة (فَسَكَتَ) عبد الله بن عمرو (سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: أَطِعْهُ)؛ أي: معاوية - رضي الله عنه -، (في طَاعَةِ اللهِ)؛ أي: فيما إذا أمرك بطاعة الله، (وَاعْصِهِ)؛ أي: خالف أمره (فِي مَعْصِيَةِ اللهِ)؛ أي: فيما إذا أمرك بمعصية الله، قول عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - هذا هو معنى ما سبق من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحبّ وكَرِهَ، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أُمر بمعصية، فلا سمع، ولا طاعة"، متّفقٌ عليه.

وقال النوويّ - رحمه الله -: هذا فيه دليل على وجوب طاعة المتولّين للإمامة بالقهر (٢)، من غير إجماع، ولا عهد. انتهى (٣).

وقال الأبّيّ - رحمه الله -: يريد: لزوم طاعتهم بعد استقلالهم، وذهاب الأول؛ لحرمة المخالفة عليهم حينئذٍ؛ لانعقادها في حقّهم على ما تقدّم، وأما في حال قيامهم فلا طاعة لهم؛ لأنهم يقاتلون، فكيف تكون لهم طاعة؟ وعلى هذا فيُشكل قول عبد الله: "أطعه في طاعة الله"؛ لأنه لا طاعة له مع وجود عليّ - رضي الله عنه -، وانعقاد الخلافة له بأهل الحلّ والعقد من المهاجرين والأنصار.

قال الجامع عفا الله عنه: الجواب السديد عن معاوية ومن معه - رضي الله عنهم - في هذا أن يقال: إنهم متأوّلون، مجتهدون، والمجتهد المخطئ يُعذر باجتهاده، ونسأل الله تعالى أن يطهّر قلوبنا وألسنتنا عن الخوض فيما لا يعنينا، {رَبَّنَا لَا


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ٢٣٤.
(٢) قال الجامع: استدلال النوويّ على ما ذكره بالحديث المذكور محلّ بحث، فليُتأمّل، والله تعالى أعلم.
(٣) "شرح النوويّ" ١٢/ ٢٣٤.