للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مات ميتةً جاهليّةً" قال: "من" للاستفهام الإنكاريّ؛ أي: ما فارق الجماعة أحدٌ إلا جرى له كذا، أو "ما" مُقَدَّرة، قال ابن مالك: جاز ذلك كقوله [من الطويل]:

فَوَاللهِ مَا نِلْتُمْ وَلَا نِيلَ مِنْكُمُ … بِمُعْتَدِلٍ وَفْقٍ وَلَا مُتَقَارِبِ

أو "إلا" زائدة، قال الأصمعيّ: تقع "إلا" زائدةً، كقوله [من الطويل]:

حَرَاجِيجُ مَا تَنْفَكُّ إِلَّا مُنَاخَةً … عَلَى الْخَسْفِ أَوْ يَرْمِي بِهَا بَلَدًا قَفْرَا (١)

أو عاطفة على رأي الكوفيين.

والمراد بالميتة الجاهلية - وهي بكسر الميم: حالة الموت؛ أي: كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام مطاع؛ لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك، وليس المراد أنه يموت كافرًا، بل يموت عاصيًا.

ويَحْتَمِل أن يكون التشبيه على ظاهره، ومعناه: أنه يموت مثل موت الجاهليّ، وإن لم يكن هو جاهليًّا، أو أن ذلك ورد مورد الزجر والتنفير، وظاهره غير مراد، ويؤيد أن المراد بالجاهلية التشبيه قوله في الحديث الآخر: "من فارق الجماعة شبرًا، فكأنما خَلَع رِبْقة الإسلام من عنقه"، أخرجه الترمذيّ، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان من حديث الحارث بن الحارث الأشعريّ في أثناء حديث طويل، وأخرجه البزار، والطبرانيّ في "الأوسط"، من حديث ابن عباس، وفي سنده خُلَيد بن دعلج، وفيه مقال (٢)، وقال: "من رأسه" بدل "عنقه".

قال ابن بطال - رحمه الله -: في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلِّب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لِمَا في ذلك من حَقْن الدماء، وتسكين الدَّهْماء، وحجتهم هذا الخبر، وغيره، مما يساعده، ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح، فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قَدَر عليها، أفاده في "الفتح" (٣)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "شرح الكرمانيّ على صحيح البخاريّ" ٢٤/ ١٤٧.
(٢) قال عنه في "التقريب": ضعيف من السابعة.
(٣) "الفتح" ١٦/ ٤٣٨، كتاب "الفتن" رقم (٧٠٥٣).