منهم؟ قال: إن فعلوا فلا سبيل عليهم، وقال يزيد لمسلم بن عقبة: ادع القوم ثلاثًا، فإن رجعوا إلى الطاعة فاقبل منهم، وكُفَّ عنهم، وإلا فاستعن بالله، وقاتِلهم، وإذا ظهرت عليهم، فأبِحِ المدينة ثلاثًا، ثم اكفُفْ عن الناس، وانظر إلى عليّ بن الحسين، فاكفُف عنه، واستوص به خيرًا، وأَدْنِ مجلسه، فإنه لم يدخل في شيء مما دخلوا فيه، وأمَره إذا فرغ من المدينة أن يذهب إلى مكة لحصار ابن الزبير، وقال له: إن حَدَث بك أمر، فعلى الناس حُصين بن نُمير السَّكُونيّ، وقد كان يزيد كتب إلى عبد الله بن زياد أن يسير إلى ابن الزبير، فيحاصره بمكة، فأبى عليه، وقال: والله لا أجمعهما للفاسق أبدًا، أقتل ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأغزو البيت الحرام؟ وقد كانت أمه مُرْجانة قالت له حين قَتَل الحسين: ويحك ماذا صنعتَ؟ وماذا رَكِبت؟ وعنّفته تعنيفًا شديدًا.
قالوا: وسار مسلم بمن معه من الجيوش إلى المدينة، فلما اقترب منها اجتهد أهل المدينة في حِصار بني أمية، وقالوا لهم: والله لنقتلنكم عن آخركم، أو تعطونا موثقًا أن لا تدلُّوا علينا أحدًا من هؤلاء الشاميين، ولا تمالئوهم علينا، فأعطوهم العهود بذلك، فلما وصل الجيش تلقاهم بنو أمية، فجعل مسلم يسألهم عن الأخبار فلا يخبره أحد، فانحصر لذلك، وجاءه عبد الملك بن مروان، فقال له: إن كنت تريد النصر فأنزل شرقيّ المدينة في الحرّة، فإذا خرجوا إليك كانت الشمس في أقفيتكم، وفي وجوههم، فادعهم إلى الطاعة، فإن أجابوك، وإلا فاستعن بالله وقاتِلهم، فإن الله ناصرك عليهم؛ إذ خالفوا الإمام، وخرجوا عن الطاعة، فشكره مسلم بن عقبة على ذلك، وامتثل ما أشار به، فنزل شرقيّ المدينة في الحرّة، ودعا أهلها ثلاثة أيام كلّ ذلك يأبون، إلا المحارَبة والمقاتَلة، فلما مضت الثلاثة قال لهم في اليوم الرابع، وهو يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثلاث وستين، قال لهم: يا أهل المدينة مضت الثلاث، وإن أمير المؤمنين قال لي: إنكم أصله وعشيرته، وإنه يَكره إراقة دمائكم، وإنه أمرني أن أؤجلكم ثلاثًا، فقد مضت، فماذا أنتم صانعون؟، أتسالمون أم تحاربون؟ فقالوا: بل نحارب، فقال: لا تفعلوا، بل سالِموا، ونجعل جِدَّنا وقوّتنا على هذا الملحد، يعني: ابن الزبير، فقالوا: يا عدو الله لو أردت ذلك لَمَا مكّناك منه، أنحن نذركم تذهبون، فتلحدون في