الروايات، فالبيعة على أن لا نَفِرّ معناه: الصبر حتى نظفر بعدوّنا، أو نُقْتَل، وهو معنى البيعة على الموت؛ أي: نصبر، وإن آل بنا ذلك إلى الموت، لا أن الموت مقصود في نفسه، وكذا البيعة على الجهاد؛ أي: والصبر فيه، والله أعلم.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن قول جابر - رضي الله عنه -: "لم نبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الموت"، إنما هو حكاية للّفظ الذي صدر منه، حين المبايعة، فلا ينفي صدور لفظ الموت من غيره، كما في حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - الآتي - إن شاء الله تعالى - وأنه لا اختلاف في المعنى، إذ المقصود مصابرة العدوّ، ولو أدّى ذلك إلى الموت، والله تعالى أعلم بالصواب.
قال النوويّ: وكان في أول الإسلام يجب على العشرة من المسلمين أن يصبروا لمائة من الكفار، ولا يفرّوا منهم، وعلى المائة الصبر لألف كافر، ثم نُسِخ ذلك، وصار الواجب مصابرة المِثْلَين فقط، قال النوويّ - رحمه الله -: هذا مذهبنا، ومذهب ابن عباس، ومالك، والجمهور أن الآية منسوخة.
وقال أبو حنيفة، وطائفة: ليست بمنسوخة، واختلفوا في أن المعتبَر مجرد العدد من غير مراعاة القوّة والضعف، أم يُرَاعَى؟ والجمهور على أنه لا يراعى؛ لظاهر القرآن.
وأما حديث عبادة - رضي الله عنه -: "بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تَسرِقوا. . ." إلى آخره، فإنما كان ذلك في أول الأمر، في ليلة العقبة، قبل الهجرة من مكة، وقبل فرض الجهاد. انتهى (١).
وقال أبو العبّاس القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ" مخالفٌ لِمَا قاله سلمة بن الأكوع أنهم بايعوه في ذلك اليوم على الموت، وكذلك قال عبد الله بن زيد، وهذا خلافٌ لفظيّ، وأما المعنى فمتّفقٌ عليه؛ لأن من بايع على أن لا يفرّ حتى يَفتح الله عليه، أو يُقتل، فقد بايع على الموت، فكأن جابرًا لم يسمع لفظ الموت، وأخذ غيره الموت من المعنى، فعبّر عنه، ويشهد