للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لِمَا ذكرته أنه قد رُوي عن ابن عمر في غير كتاب مسلم أن البيعة كانت على الصبر (١)، وكان هذا الحكم خاصًّا بأهل الحديبية، فإنه مخالفٌ لِمَا في كتاب الله تعالى، من إباحة الفرار عند مِثْلَي العدد، كما نصّ عليه في سورة الأنفال، وعلى مقتضى بيع الحديبية لا فرار أصلًا، فهذا حكم خاصّ بهم - والله تعالى أعلم - ولذلك قال عبد الله بن زيد: لا أبايع على هذا أحدًا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٢).

ثم إن الناس اختلفوا في العدد المذكور في آيتي الأنفال، فحَمَله جمهور العلماء على ظاهره من غير اعتبار للقوّة والضعف، والشجاعة والجبن، وحكى ابن حبيب، عن مالك، وعبد الملك: أن المراد بذلك القوّة، والتكافؤ، دون تعيين العدد، وقال ابن حبيب: والقول الأول أكثر، فلا تفرّ المائة من المائتين، وإن كانوا أشدّ جَلَدًا، وأكثر سلاحًا، قال القرطبيّ: وهو الظاهر من الآية، قال عياضٌ: ولم يُختلف أنه متى جُهل منزلة بعضهم على بعض في مراعاة العدد لم يجز الفرار. انتهى كلام القرطبيّ (٣)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسألتان تتعلقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث جابر - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه.

(المسألة الثانية): في تخريجه:


(١) أخرجه البخاريّ - رحمه الله - في "صحيحه" ٣/ ١٠٨٠، فقال:
(٢٧٩٨) - حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا جُويرية، عن نافع، قال: قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: رجعنا من العام المقبل، فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها، كانت رحمة من الله، فسألت نافعًا على أيّ شيء بايعهم؟ على الموت؟ قال: لا، بل بايعهم على الصبر. انتهى.
(٢) هو ما أخرجه الشيخان من طريق عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - قال: لمّا كان زمن الحرّة أتاه آتٍ، فقال له: إن ابن حنظلة يبايع الناس على الموت، فقال: لا أبايع على هذا أحدًا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(٣) "المفهم" ٤/ ٦٧ - ٦٨.