للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَتَوَرَّع من شيء، قال: "ليس لك منه إلَّا ذلك"، ووقع في رواية الشعبيّ، عن الأشعث: قال: أرضي أعظم شأنًا من أن يحلف عليها، فقال: "إن يمين المسلم يدرأُ بها أعظم من ذلك".

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ، يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ) أي كاذب، هذه زيادة على حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - المتقدّم، لكنها وقعت في حديثه في بعض الطرق (لَقِيَ اللهَ، وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ") جملة حاليّة من المفعول، (فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إِلَى آخِرِ الآيةِ [آل عمران: ٧٧].

تفسير الآية الكريمة: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ} أي: يعتاضون، ويستبدلون، فكأنهم يعطون ما أوجب الله عليهم من رعاية العُهُود والأيمان، {بِعَهْدِ اللَّهِ} أي: ميثاقه، وهو إيجابه على المكلّفين أن يقوموا بالحق، ويعملوا بالعدل {وَأَيْمَانِهِمْ} جمع يمين، وهو الحلف بالله تعالى، {ثَمَنًا قَلِيلًا} أي: بشيء قليل حقيرٍ من عَرَض الدنيا، من الترؤّس، والارتشاء، ونحو ذلك.

وقال الإمام ابن كثير - رَحِمَهُ اللهُ -: يقول الله تعالى: إن الذين يعتاضون عمَّا عاهدوا الله عليه، من اتّباع محمد - صلى الله عليه وسلم -، وذكر صفته للناس، وبيان أمره، وعن أيمانهم الكاذبة الفاجرة الآثمة بالأثمان القليلة الزهيدة، وهي عُرُوض هذه الحياة الدنيا الفانية الزائلة، {لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ} أي: لا حَظّ، ولا نصيب لهم يوم القيامة، {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ} أي: بما يسرّهم؛ إذ لا يكلّمهم إعراضًا عنهم، واحتقارًا لهم، {وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: نظرَ رحمة، {وَلَا يُزَكِّيهِمْ} أي: لا يُثني عليهم كما يُثني على من تَزَكَّي، وقيل: لا يُطهّرهم من الذنوب، {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: ٧٧] أي موجع شديد الألم.

وقال ابن كثير - رَحِمَهُ اللهُ -: يعني: أن الله تعالى لا يكلمهم كلام لُطْفٍ بهم، ولا ينظر إليهم بعين الرحمة، ولا يزكيهم من الذنوب، بل يأمر بهم إلى النار (١).

[تنبيه]: هذا الحديث صريح في أن سبب نزول هذه الآية هو قصّة الأشعث بن قيس مع خصمه حين تحاكما في أرض، أو بئر، ويعارضه حديث


(١) راجع: "تفسير ابن كثير" ٣/ ٩٢ - ٩٣، و"تفسير النسفيّ" ١/ ١٦٥، و"المفهم" ١/ ٣٥١.