للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يوسف بن أبي عقيل الثقفيّ الأمير المشهور، الظالم المبير، وقع ذكره وكلامه في "الصحيحين"، وغيرهما، وليس بأهل أن يُروى عنه، وَليَ إمرة العراق عشرين سنة، ومات سنة (٩٥)، وكان كلامه هذا مع سلمة - رضي الله عنه - لمّا وَلِي الحَجّاج إمرة الحجاز بعد قتل ابن الزبير، فسار من مكة إلى المدينة، وذلك في سنة أربع وسبعين، وقيل: إن سلمة مات في آخر خلافة معاوية سنة ستين، ولم يدرك زمن إمارة الحجاج، والأول هو الصحيح (١).

(فَقَالَ) الحجّاج (يَا ابْنَ الأَكْوَعِ ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ) يَحتَمِل أن يكون استفهامًا على جهة الإنكار، وأن يكون إخبارًا، وكأنه أشار إلى ما جاء من الحديث في ذلك، فقد أخرج النسائيّ من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - رفعه: "لَعَن الله آكل الربا، وموكله - الحديث، وفيه -: والمرتدّ بعد هجرته أعرابيًّا".

قال ابن الأثير في "النهاية": كان مَن رجع بعد هجرته إلى موضعه من غير عذر، يعدّونه كالمرتدّ، وقال غيره: كان ذلك من جفاء الحَجّاج، حيث خاطب هذا الصحابيّ الجليل بهذا الخطاب القبيح، من قبل أن يستكشف عن عُذْره، ويقال: إنه أراد قتله، فبيّن الجهة التي يريد أن يجعله مستحقًّا للقتل بها.

وقد أخرج الطبرانيّ من حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه - رفعه: "لَعَن الله مَن بدا بعد هجرته، إلا في الفتنة، فإن البُدُوّ خير من المقام في الفتنة".

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: وقول الْحَجَّاج لسلمة بن أكوع: "أرتددْتَ؟ تَعَرَّبت؟ " استفهامٌ على جهة الإنكار عليه أنه خرج من محل هجرته؛ التي هي المدينة إلى البادية؛ التي هي موطن الأعراب؛ لِمَا كان المعلوم من حال المهاجر أنه يحرّم عليه الانتقال منها إلى غيرها، لا سيما إنْ رجع إلى وطنه؛ فإنّ ذلك محرَّم بإجماع الأمَّة، على ما حكاه القاضي عياض، وربما أُطلق على ذلك رِدَّة، كما أطلقه الحجاج هنا، فأجابه سلمة بأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أَذِنَ له في ذلك، فكان ذلك خصوصًا في حقّه. انتهى (٢).

(تَعَرَّبْتَ؟)؛ أي: صرت أعرابيًّا، تسكن البادية مع الأعراب، والتعرّب:


(١) "عمدة القاري" ٢٤/ ١٩٧.
(٢) "المفهم" ٤/ ٧١.