بالعين المهملة، والراء الثقيلة؛ أي: السكنى مع الأعراب، بفتح الهمزة، وهو أن ينتقل المهاجر من البلد التي هاجر منها، فيسكن البدو، فيرجع بعد هجرته أعرابيًّا، وكان إذ ذاك محرَّمًا، إلا إن أذن له الشارع في ذلك؛ كسلمة هذا - رضي الله عنه - (قَالَ) سلمة - رضي الله عنه - (لَا)؛ أي: لم أتعرّب، ولم أسكن البادية رجوعًا عن هجرتي، ولا من تلقاء نفسي.
(وَلَكِنْ) بتشديد النون، وتخفيفها (رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَذِنَ لِي فِي الْبَدْوِ)؛ أي: في سكنى البادية، و"البدو" بفتح، فسكون: البادية، وسُمِّيت بذلك؛ لأنه يبدو ما فيها، ومن فيها؛ أي: يظهر، أو لأنّ من خرج إليها من الحاضرة بدا؛ أي: ظهر، والحاضر أصله: النازل على الماء، كما قال:
وسُمِّي به أهل القرى والحصون؛ لأنهم لا يرحلون عن مياهٍ يجتمعون عليها، قاله القرطبيّ - رحمه الله - (١).
وفي رواية حماد بن مَسْعَدة عن يزيد بن أبي عُبيد، عن سلمة:"أنه استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في البداوة، فَأَذِن له"، أخرجه الإسماعيليّ، وفي لفظ له:"استأذنتُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -".
وقد وقع لسلمة - رضي الله عنه - في ذلك قصة أخرى مع غير الحجاج، فأخرج أحمد من طريق سعيد بن إياس بن سلمة، أن أباه حدّثه، قال:"قَدِم سلمة المدينة، فلقيه بُريدة بن الْحُصيب، فقال: ارتددت عن هجرتك؟ فقال: معاذ الله، إني في إذن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سمعته يقول: ابْدُوا يا أسلم - أي: القبيلة المشهورة التي منها سلمة، وأبو بَرْزة، وبُريدة المذكور - قالوا: إنا نخاف أن يقدح ذلك في هجرتنا، قال: أنتم مهاجرون حيث كنتم"، وله شاهد من رواية عمرو بن عبد الرحمن بن جَرْهد، قال: "سمعت رجلًا يقول لجابر: مَن بَقِي من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: أنس بن مالك، وسلمة بن الأكوع، فقال رجل: أمّا سلمة فقد ارتدّ عن هجرته، فقال: لا تَقُل: ذلك، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأسلم: ابدوا، قالوا: إنا نخاف أن نرتدّ بعد هجرتنا،