وقد اعتَرَضَ الذهبيّ على من زعم أن سلمة عاش ثمانين سنة، ومات سنة أربع وسبعين؛ لأنه يلزم منه أن يكون له في الحديبية اثنتا عشرة سنة، وهو باطلٌ؛ لأنه ثبت أنه قاتَل يومئذ، وبايع.
قال الحافظ: وهو اعتراض متّجه، لكن ينبغي أن ينصرف إلى سنة وفاته، لا إلى مبلغ عمره، فلا يلزم منه رجحان قول من قال: مات سنة أربع وستين، فإن حديث جابر يدلّ على أنه تأخر عنها؛ لقوله: لم يبق من الصحابة إلا أنس وسلمة، وذلك لائق بسنة أربع وسبعين، فقد عاش جابر بن عبد الله بعد ذلك إلى سنة سبع وسبعين على الصحيح، وقيل: مات في التي بعدها، وقيل: قبل ذلك. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [١٩/ ٤٨١٧](١٨٦٢)، و (البخاريّ) في "الفتن"(٧٠٨٧)، و (النسائيّ) في "البيعة"(٧/ ١٥١) و"الكبرى"(٤/ ٤٣٠)، و (أبو عوانة) في "مسنده"(٤/ ٤٣١)، و (البيهقيّ) في "الكبرى"(٩/ ١٩)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
١ - (منها): بيان تحريم رجوع المهاجر إلى استيطان وطنه، ووجه ذلك أن الحجّاج لَمّا عنّف سلمة - رضي الله عنه - بتعرّبه لم يعارضه في ذلك، وإنما اعتذر بكون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أَذِنَ له، فلولا إنه أَذِنَ له لَمَا جاز له ذلك، ويؤيّد هذا ما تقدّم من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: "لعن الله آكل الربا. . ." الحديث، وفيه:"والمرتدّ بعد هجرته أعرابيًّا"، والله تعالى أعلم.
٢ - (ومنها): بيان جرأة الحجّاج، وتطاوله على هذا الصحابيّ الجليل - رضي الله عنه -، وتعنيفه بهذا الخطاب القبيح.