للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ) بفتح النون، وسكون الهاء، أنه قال: (حَدَّثَنِي مُجَاشِعُ) بضمّ الميم، وتخفيف الميم، (ابْنُ مَسْعُودٍ السُّلَمِيُّ) بضمّ السين المهملة، (قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -)، وقوله: (أُبَايِعُهُ عَلَى الْهِجْرَةِ) جملة في محلّ نصب على الحال من الفاعل، (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("إِنَّ الْهِجْرَةَ قَدْ مَضَتْ لأَهْلِهَا)؛ أي: ثبتت لمن هاجر قبل الفتح، وفازوا بها، وسقطت عن غيرهم؛ لِرَفْع وجوبها عنهم (١). (وَلَكِنْ) بسكون النون، (عَلَى الإِسْلَامِ)؛ أي: ولكن بايع على ملازمة الإسلام، (وَالْجِهَادِ) في سبيل الله - عز وجل -، (وَالْخَيْرِ)؛ أي: وعلى فعل الخير أبدًا دائمًا.

وقال النوويّ - رحمه الله -: قوله: "قد مضت لأهلها. . . إلخ معناه: أن الهجرة الممدوحة الفاضلة التي لأصحابها المزيّةُ الظاهرةُ إنما كانت قبل الفتح، ولكن أبايعك على الإسلام، والجهاد، وسائر أفعال الخير، وهو من باب ذِكر العامّ بعد الخاصّ، فإن الخير أعم من الجهاد، ومعناه: أبايعك على أن تفعل هذه الأمور. انتهى (٢).

وقال القاضي عياض - رحمه الله -: قوله: "قد مضت لأهلها" أهلُها هم الذين هاجروا من ديارهم، وأموالهم قبل الفتح؛ لمؤازرته - صلى الله عليه وسلم -، ونُصرته، وضَبْط شريعته، ولم يُختَلَف في وجوب الهجرة قبل الفتح على أهل مكة، وأما غيرهم، فقيل: إنها واجبة، وحكى أبو عبيد في "كتاب الأموال" أنها مندوبةٌ، ليست بواجبة؛ لحديث: "لا هجرة بعد الفتح"، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابيّ الذي سأله عن شأن الهجرة: "إن شأن الهجرة لشديد"، وحضّه على أن يلزم إبله، وأيضًا فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر الوافدين عليه قبل الفتح بأن يهاجروا، وقيل: إنها واجبة على من أسلم دون أهل بلده؛ لئلا يبقى في طوع أحكام الشرك، وخوف أن يُفتن في دينه. انتهى (٣)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "المفهم" ٤/ ٧٠.
(٢) "شرح النوويّ" ١٣/ ٧ - ٨.
(٣) "إكمال المعلم" ٦/ ٢٧٤ بزيادة من "شرح الأبيّ" ٥/ ٢١١.