غريمه، ثم أراد إقامة البينة بعد حلفه أنَّها لا تسمع، إلَّا إن أتى بعذر، يتوجه له في ترك إقامتها قبل استحلافه.
قال ابن دقيق العيد - رَحِمَهُ اللهُ -: ووجهه أن "أو" تقتضي أحد الشيئين، فلو جاز إقامة البينة بعد الاستحلاف، لكان له الأمران معًا، والحديث يقتضي أنه ليس له إلَّا أحدهما، قال: وقد يجاب بأن المقصود من هذا الكلام نفيُ طريق أخرى لإثبات الحقّ، فيعود المعنى إلى حصر الحجة في البينة واليمين، ثم أشار إلى أن النظر إلى اعتبار مقاصد الكلام وفهمه، يُضَعِّف هذا الجواب.
٦ - (ومنها): ما قاله ابن دقيق العيد - رَحِمَهُ اللهُ - أيضًا: إنه قد يَستَدِلُّ الحنفية به في ترك العمل بالشاهد واليمين في الأموال.
وأجاد الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ - حيث قال: والجواب عنه بعد ثبوت دليل العمل بالشاهد واليمين أنَّها زيادة صحيحةٌ، يَجِبُ المصير إليها؛ لثبوت ذلك بالمنطوق، وإنما يستفاد نفيه من حديث الباب بالمفهوم. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: لقد أحسن الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ - في الردّ على الحنفيّة في استدلالهم هذا، فإن الحديث صحيح، أخرجه المصنّف - رَحِمَهُ اللهُ - في "صحيحه"، وسيأتي برقم (١٧١٢) من طريق قيس بن سعد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بيمين وشاهد"، فبعد صحّة المنطوق بطل الاستدلال بالمفهوم، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد.
قال العلامة الصنعانيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قد ثبتت أدلّة العمل بالشاهد واليمين، ثم ذكر حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - المذكور، ثم قال: قال في "التمييز": إنه حديث صحيحٌ، لا يُرتاب في ححّته، وقال ابن عبد البرّ: لا مطعن لأحد في ححّته، ومنها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين والشاهد"، وهو عند أصحاب "السنن"، ورجاله مدنيّون ثقات، ولا يضرّه أن سُهيل بن أبي صالح نسيه بعد أن حدّث به ربيعة؛ لأنه بعد ذلك كان يروي به عن ربيعة، عن نفسه، عن أبيه، وقصّته في ذلك مشهورة في "سنن أبي داود" وغيرها، ومنها حديث جابر - رضي الله عنه - مثل حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أخرجه الترمذيّ، وابن ماجة، وصحّحه