للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْهِجْرَةِ) هذا صريح في أن السؤال للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فالحديث مرفوع، لكن في رواية البخاريّ أن السؤال لها، فقد أخرج الحديث من طريق الأوزاعيّ، عن عطاء بن أبي رباح، قال: زُرْتُ عائشة (١) مع عُبيد بن عُمير الليثيِّ، فسألناها عن الهجرة، فقالت: لا هجرة اليوم، كان المؤمنون يَفِرّ أحدهم بدينه إلى الله تعالى، وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - مخافةَ أن يُفْتَن عليه، فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام، والمؤمن يعبد ربه حيث شاء، ولكن جهادٌ، ونيّةٌ.

وأخرجه من طريق عمرو - بن دينار - وابن جريج، سمعت عطاء يقول: ذهبت مع عبيد بن عمير إلى عائشة - رضي الله عنها -، وهي مجاورة بثَبِير، فقالت لنا: انقطعت الهجرة منذ فتح الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - مكة.

وأصل الهجرة هجر الوطن، وأكثر ما يُطلق على مَن رَحَل من البادية إلى القرية، ووقع عند الأمويّ في "المغازي" من وجه آخر عن عطاء: "فقالت: إنما كانت الهجرة قبل فتح مكة، والنبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة" (٢).

(فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - جوابًا عن السؤال ("لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ)؛ أي: فتح مكة، قال النوويّ - رحمه الله -: قال أصحابنا وغيرهم، من العلماء: الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة، وتأولوا هذا الحديث تأويلين:

[أحدهما]: لا هجرة بعد الفتح من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام، فلا تتصور منها الهجرة.

[والثاني]: وهو الأصح: أن معناه أن الهجرة الفاضلة المهمّة المطلوبة التي يمتاز بها أهلها امتيازًا ظاهرًا، انقطعت بفتح مكة، ومضت لأهلها الذين هاجروا قبل فتح مكة؛ لأن الإسلام قَوِيَ وعَزَّ بعد فتح مكة عِزًّا ظاهرًا بخلاف ما قبله. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "لا هجرة"؛ أي: لا وجوب هجرة بعد فتح مكة، وإنما سقط فرضها إذ ذاك؛ لقوة المسلمين، وظهورهم على عدوّهم، ولعدم فتنة أهل مكة لمن كان بها من المسلمين، بخلاف ما كان قبل الفتح؛


(١) وكانت مجاورة في جبل ثَبِير.
(٢) "الفتح" ٨/ ٢٦٩ رقم (٣٩٠٠).
(٣) "شرح النوويّ" ١٣/ ٨.