للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعض العلماء إلى أنها "أو" على بابها لأحد الشيئين، وليست بمعنى الواو، وقال: إن الحاصل لمن لم يُسْتَشْهَد من الجهاد أحد الأمرين: إما الأجر إن لم يغنم، وإما الغنيمة ولا أجر، وهذا ليس بصحيح؛ لِمَا يأتي من حديث عبد الله بن عمرو أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من غازية تغزو، فيصيبوا، ويَغْنَموا، إلا تعجّلوا ثلثي أجورهم من الآخرة، ويبقى لهم الثلث"، وهذا نصّ في أنَّه يحصل له مجموع الأجر والغنيمة، فالوجة التأويل الأول، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

(وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا مِنْ كَلْمٍ) - بفتح الكاف، وسكون اللام -؛ أي: ما من جَرْح (يُكْلَمُ) بالبناء للمجهول؛ أي: يُجرح (فِي سَبِيلِ اللهِ)؛ أي: لإعلاء كلمة الله، وهو الجهاد الذي يُبْتَغَى به وجه الله تعالى، (إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كهَيْئَتِهِ)؛ أي: مثل صفته (حِينَ كُلِمَ) بالبناء للمجهول؛ أي: وقت جرحه؛ يعني: أن صفة دم الشهيد يوم القيامة؛ كصفته وقت جرحه، إلا أن هذا التشبيه ليس من جميع الوجوه، فإنه يوم جُرح كان دمًا لونًا وريحًا، وأما في القيامة فإن لونه لونُ دم، وأما ريحه فريحُ مسك، كما بيّن ذلك بقوله: (لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ) وفي بعض النسخ: "لونُهُ دمٌ"، (وَرِيحُهُ مِسْكٌ) بكسر الميم، وسكون السين المهملة: طِيْب معروف، قال الفيّوميّ - رحمه الله -: وهو مُعَرَّب، والعرب تسمّيه: المشموم، وهو عندهم أفضل الطيب، ولهذا ورد: "لَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ عِنْدَ اللهِ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ المِسْكِ"؛ ترغيبًا في إبقاء أثر الصوم، قال الفراء: المِسْكُ مُذَكَّرٌ، وقال غيره: يُذَكَّر، ويُؤَنَّث، فيقال: هو المِسْكُ، وهي المِسْكُ، وأنشد أبو عبيدة على التأنيث قول الشاعر [من الرجز]:

وَالمِسْكُ وَالعَنْبَرُ خَيْرُ طِيبٍ … أُخِذَتَا بِالثَّمَنِ الرَّغِيبِ

وقال السجستانيّ: من أنّث المِسْكَ جعله جمعًا، فيكون تأنيثه بمنزلة تأنيث الذهب، والعسل، قال: وواحدته مِسْكَةٌ مِثْلُ ذهب، وذهبة، قال ابن السكيت: وأصله: مِسِكٌ بكسرتين، قال رؤبة [من الرجز]:

إِنْ تُشْفَ نَفْسِي مِنْ ذُبَابَاتِ الحَسَكِ … أَحْرِ بِهَا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ المِسِكِ


(١) "المفهم" ٣/ ٧٠٥ - ٧٠٦.