للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أي: بسبب تكلّفهم الخروج إذا خرج النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان لهم عذر، (مَا) نافية (قَعَدْتُ خِلَافَ سَرِيَّةٍ)؛ يعني: بعد خروج سريّة إلى الغزو، و"الخلاف" بالكسر مصدر خالف؛ كالمخالفة، كما قال في "الخلاصة":

لِفَاعَلَ الْفِعَالُ وَالْمُفَاعَلَهْ … وَغَيْرُ مَا مَرَّ السَّمَاعُ عَادَلَهْ

و"السّريّة": قِطعة من الجيش، فَعِيلة بمعنى فاعلة، سُمّيت بذلك؛ لأنها تَسْري في خفية، والجمع سَرَايَا، وسَرِيّات، مثلُ عطيّة وعطيّات (١).

وقال في "العمدة": قوله: "عن سريّة"؛ أي: قطعة من الجيش، يبلغ أقصاها أربعمائة، تُبْعث إلى العدوّ، وجَمْعه السرايا، سُمُّوا بذلك؛ لأنهم يكونون خلاصة العسكر، وخيارهم، من الشيء السَّريّ؛ أي: النفيس. انتهى (٢).

ونصب "خلاف" على الحال؛ أي: حال كوني مخالفًا للسريّة.

وقوله: (تَغْزُو) صفة لـ "سريّة"، (فِي سَبِيلِ اللهِ)؛ أي: لأجل إعلاء كلمة الله - عز وجل -، (أَبَدًا) ظرف مستغرقٌ ما يُستقبل من الزمان، متعلّق بـ "قَعَدتُ"، (وَلَكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً) بفتح السين، وكسرها، والهاء عوض عن الواو، كعِدة، إذ أصله: وسع، مثلّث الواو؛ أي: غِنًى، وطاقةً، (فَأَحْمِلَهُمْ) من باب ضرب؛ يعني: أنه يشتري للفقراء ما يركبوه، حتى يغزوا معه، (وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً)؛ يعني: أنهم لا يجدون مالًا يشترون به ما يركبونه، (وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي)؛ أي: يتأخّروا عن الغزو معه - صلى الله عليه وسلم -.

(وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ) بفتح الواو، وكسر الدال، يقال: وددت لو كان كذا أوَدّ وُدًّا، ووَدَادةً بالفتح: تمنّيتُه، وحَكَى الكسائيّ: وَدَدَت أَوَدّ بالفتح فيهما، وغلّطه البصريون، وقال الزجّاج: لم يقل الكسائيّ: إلا ما سمع، ولكن سمعه ممن لا يوثق بفصاحته (٣). (أَنِّي أَغْزُو) بفتح همزة "أَنّ"؛ لأنها في تأويل المصدر مفعول "ودِدتُ"؛ أي: ودِدتُ غزوي (فِي سَبِيلِ اللهِ)؛ أي: لإعلاء كلمته - عز وجل -، (فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو) معطوف على مقدّر؛ أي: ثم أُحيا


(١) "المصباح المنير" ١/ ٢٧٥.
(٢) "عمدة القاري" ١٤/ ٩٥.
(٣) راجع: "المصباح المنير" ٢/ ٦٥٣.