ومنهم من حَمَل نقص الأجر على غنيمة أُخذت على غير وجهها، وظهورُ فساد هذا الوجه يغني عن الإطناب في ردّه؛ إذ لو كان الأمر كذلك لم يبق لهم ثلث الأجر، ولا أقلّ منه.
ومنهم من حَمَل نقص الأجر على من قَصَد الغنيمة في ابتداء جهاده، وحمل تمامه على من قصد الجهاد محضًا، وفيه نظر؛ لأن صدر الحديث مصرِّح بأن المقسَّم راجع إلى من أخلص؛ لقوله في أوله:"لا يُخرجه إلا إيمان بي، وتصديق برسلي".
وقال عياض: الوجه عندي إجراء الحديثين على ظاهرهما، واستعمالهما على وجههما، ولم يُجب عن الإشكال المتعلِّق بأهل بدر.
وقال ابن دقيق العيد: لا تعارض بين الحديثين، بل الحكم فيهما جارٍ على القياس؛ لأن الأجور تتفاوت بحسب زيادة المشقّة فيما كان أجره بحسب مشقته؛ إذ للمشقة دخول في الأجر، وإنما المشكل العمل المتصل بأخذ الغنائم؛ يعني: فلو كانت تنقص الأجر لَمَا كان السلف الصالح يثابرون عليها، فيمكن أن يجاب بأن أخْذها من جهة تقديم بعض المصالح الجزئية على بعض؛ لأن أخْذ الغنائم أوّل ما شُرع كان عونًا على الدين، وقوّة لضعفاء المسلمين، وهي مصلحة عظمى، يُغْتَفَر لها بعض النقص في الأجر من حيث هو.
وأما الجواب عما استُشْكِل ذلك بحال أهل بدر، فالذي ينبغي أن يكون التقابل بين كمال الأجر ونقصانه لمن يغزو بنفسه إذا لم يغنم، أو يغزو فيغنم، فغايته أن حال أهل بدر مثلًا عند عدم الغنيمة أفضل منه عند وجودها، ولا ينفي ذلك أن يكون حالهم أفضل من حال غيرهم من جهة أخرى، ولم يَرِد فيهم نصّ أنهم لو لم يغنموا كان أجرهم بحاله من غير زيادة، ولا يلزم من كونه مغفورًا لهم، وأنهم أفضل المجاهدين أن لا يكون وراءهم مرتبة أخرى.
وأما الاعتراض بِحِلّ الغنائم فغير وارد؛ إذ لا يلزم من الحل ثبوت وفاء الأجر لكل غاز، والمباح في الأصل لا يستلزم الثواب بنفسه، لكن ثبت أن أخذ الغنيمة، واستيلاءها من الكفار يحصل الثواب، ومع ذلك فمع صحة ثبوت الفضل في أخذ الغنيمة، وصحة التمدّح بأخذها، لا يلزم من ذلك أن كل غاز يحصل له من أجر غَزاته نظير من لم يغنم شيئًا البتة.