ووقع عند النسائيّ من طريق الزهريّ، عن سعيد بن المسيِّب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بالواو أيضًا، وكذا من طريق عطاء بن ميناء، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وكذلك أخرجه أبو داود بإسناد صحيح، عن أبي أمامة، بلفظ:"بما نال من أجر، وغنيمة"، فإن كانت هذه الروايات محفوظة تعيّن القول بأن "أو" في هذا الحديث بمعنى الواو، كما هو مذهب النحاة الكوفيين، لكن فيه إشكال صعب؛ لأنه يقتضي من حيث المعنى أن يكون الضمان وقع بمجموع الأمرين لكل من رجع، وقد لا يتّفق ذلك، فإن كثيرًا من الغزاة يرجع بغير غنيمة، فما فَرّ منه الذي ادَّعَى أن "أو" بمعنى الواو وقع في نظيره؛ لأنه يلزم على ظاهرها أن من رجع بغنيمة رجع بغير أجر، كما يلزم على أنها بمعنى الواو أن كل غازٍ يُجمَع له بين الأجر والغنيمة معًا.
وقد رَوَى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - مرفوعًا:"ما من غازية تغزو في سبيل الله، فيصيبون الغنيمة إلا تعجّلوا ثلثي أجرهم من الآخرة، ويبقى لهم الثلث، فإن لم يصيبوا غنيمة تَمّ لهم أجرهم"، وهذا يؤيد التأويل الأول، وأن الذي يغنم يرجع بأجر، لكنه أنقص من أجر من لم يغنم، فتكون الغنيمة في مقابلة جزء من أجر الغزو، فإذا قوبل أجر الغانم بما حصل له من الدنيا، وتمتعه بأجر من لم يغنم، مع اشتراكهما في التعب والمشقة، كان أجر من غَنِم دون أجر من لم يغنم، وهذا موافق لقول خبّاب - رضي الله عنه - في الحديث الصحيح الآتي:"فمنا من مات، ولم يأكل من أجره شيئًا. . ." الحديث.
واستَشْكَل بعضهم نقص ثواب المجاهد بأخذه الغنيمة، وهو مخالف لِمَا يدلّ عليه أكثر الأحاديث، وقد اشتَهَر تمدّح النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بحِل الغنيمة، وجَعْلها من فضائل أمته، فلو كانت تُنقص الأجرَ ما وقع التمدّح بها.
وأيضًا فإن ذلك يستلزم أن يكون أجر أهل بدر أنقص من أجر أهل أُحد مثلًا، مع أن أهل بدر أفضل بالاتفاق، وسَبَقَ إلى هذا الإشكال ابنُ عبد البرّ، وحكاه عياض، وذكر أن بعضهم أجاب عنه بأنه ضعَّف حديث عبد الله بن عمرو؛ لأنه من رواية حميد بن هانئ وليس بمشهور، وهذا مردود؛ لأنه ثقة يُحتجّ به عند مسلم، وقد وثقه النسائيّ، وابن يونس، وغيرهما، ولا يُعرف فيه تجريح لأحد.