للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيه، ولا التباس معه. انتهى كلام ابن عبد البرّ - رحمه الله -، (١) وهو تحقيقٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

(المسألة الرابعة): ذكر في "الفتح" بحثًا مطوّلًا عند شرح حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي أخرجه البخاريّ - رحمه الله - في "الجهاد" من "صحيحه" من طريق سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَثَلُ المجاهد في سبيل الله - والله أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم، وتوكّل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه سالِمًا مع أجر، أو غنيمة".

فقال: قوله: "مع أجر أو غنيمة؛ أي: مع أجر خالص، إن لم يَغْنَم شيئًا، أو مع غنيمة خالصة معها أجر، وكأنه سكت عن الأجر الثاني الذي مع الغنيمة؛ لنقصه بالنسبة إلى الأجر الذي بلا غنيمة، والحامل على هذا التأويل أن ظاهر الحديث أنه إذا غَنِم لا يحصل له أجر، وليس ذلك مرادًا بل المراد: أو غنيمة معها أجر أنقص من أجر من لم يغنم؛ لأن القواعد تقتضي أنه عند عدم الغنيمة أفضل منه، وأتمّ أجرًا عند وجودها، فالحديث صريح في نفي الحرمان، وليس صريحًا في نفي الجمع.

وقال الكرمانيّ - رحمه الله -: معنى الحديث: أن المجاهد إما يُسْتَشهَد، أو لا، والثاني لا ينفكّ من أجر، أو غنيمة، مع إمكان اجتماعهما، فهي قضيةٌ مانعة الخلوّ، لا الجمع.

وقد قيل في الجواب عن هذا الإشكال: إن "أو" بمعنى الواو، وبه جزم ابن عبد البرّ، والقرطبيّ، ورجّحها التوربشتيّ، والتقدير: بأجر وغنيمة، وقد وقع كذلك في رواية لمسلم من طريق الأعرج، عن أبي هريرة، رواه كذلك عن يحيى بن يحيى، عن مغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، وقد رواه جعفر الفريابيّ، وجماعة، عن يحيى بن يحيى، فقالوا: "أجر، أو غنيمة" بصيغة "أو"، وقد رواه مالك في "الموطأ" بلفظ: "أو غنيمة"، ولم يُختلَف عليه، إلا في رواية يحيى بن بكير عنه، فوقع فيه بلفظ: "وغنيمة"، ورواية يحيى بن بكير عن مالك فيها مقال.


(١) "التمهيد" لابن عبد البرّ ١٩/ ١٦.